للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رميت بها على هذا التباب ... وما أوردتها غير السراب

وما حملتها إلا شقاء ... تقاضيني به يوم الحساب

خجنيت عليك يا نفسي وقبلي ... عليك جنى أبي فدعي عتابي

فلولا أنهم وأدوا بياني ... بلغت بك المنى وشفيت ما بي

سعيت وكم سعى قبلي أديب ... فآب بخيبة بعد اغتراب

وكان حافظ كلما طال مقامه بالجيش المصري في السودان ازداد سخطًا وكراهية للإنجليز، وقد أحسوا منه هذه الكراهية، ودس له صنائعهم لديهم. فوجدت وشايتهم آذانًا صاغية، حتى إذا كانت ثورة الجيش في السودان التي تلت حرب "الترنسفال" سنة ١٩٠١، أتهم حافظ مع جماعة من الضباط بالتآمر، وأرسلوا إلى قلعة الجبل ليحاكموا فيها، وكاد يحكم عليهم بالإعدام لولا شفاعة الخديوي لهم، فاكتفى بإحالتهم إلى المعاش وأرسلوا إلى مصر.

وعاد حافظ إلى مصر، ولكنه عود غير حميد، وغير ما كان يرجوه ويصبو إليه، عاد مطرودًا من الجيش، صقر الكف من الوظيفة، ورأى الدنيا موصدة أبوابها في وجهه، فلا يدع إذ سمعناه ينفث تلك الزفرة الحارة من أعماق قلبه ألمًا وحزنًا:

سعيت إلى أن كدت أنتعل الدما ... وعدت وما أعقبت إلا التندما

لحا الله عهد القاسطين الذي به ... تهدم من بنياتنا ما تهدما

إذا شئت أن تلقي السعادة بينهم ... فلا تك مصريًا ولا تك مسلمًا

سلام على الدنيا سلام مودع ... رأى في ظلام القبر أنسًا ومغنمًا

وهذا لعمري حديث من بلغ اليأس منه مبلغًا، ومن رأى الدنيا أضيق من سم الخياط، حتى آثر عليها القبر بوحشته وظلمته، بلوجد فيه أنسًا ومغنمًا.

بيد أنه وجد فرجة من الأمل في الأستاذ محمد عبده الذي أضفي عليه من بره، وقدمه لكبار القوم، وشجعه على قول الشعر حتى لقد راودته نفسه أن يكون

<<  <   >  >>