للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المقربين لدى الخديوي، بيد أنه وجد الأبواب دونه موصدة، والتزاحم على بابه يعوقه عن الوصول إلى حماه، وفي تلك الحقبة أخذ يترجم "البؤساء"، ويهديها إلى أستاذه ونصيره، فيكتب لها مقدمة كلها إطراء وثناء، وقد أشرنا إليها آنفًا، ولكن الأستاذ الإمام تختطفه المنية في سنة ١٩٠٥، فيفجع فيه حافظ فجيعة اعتصرت فؤاده، وأحالت الدنيا أمام عينيه ظلاما دامسًا، ولم يجد من القوم من يشد عزمه، ويأخذ بيده، فيعتكف في بيته، ويتناول قلمه يبثه شجونه، ويسح على شباته ماء أحزانه، فكانت "ليالي سطيح" التي أخرجها بعد وفاة الإمام بعام أي في سنة ١٩٠٦.

نحا حافظ في هذا الكتاب نحو "حديث عيسى بن هشام" للمويلحي، وقد تأثر به دون شك في روحه النقادة، وفي نظراته للمفاسد الاجتماعية، بل نقل عن قطعة طويلة هي وصف المويلحي لقصر إسماعيل، كما نقل عن الشيخ على يوسف مقالا بأكمله كان قد نشره في المؤيد تحت عنوان "السياسة الضعيفة العنيفة" تناول فيها مأساة "دنشواي"، وسياسة الإنجليز بمصر.

وقد اختار حافظ إبراهيم "سطيح" بن ربيعة كاهن بني ذؤيب في الجاهلية ليكون الحكيم الذي ينطق بالقول الفصل في المشكلات التي يعرضها حافظ، ومن معه عليه، ولم يصرح حافظ باسمه، وإنما كنى عنه بقول "حدث أحد أبناء النيل".

"ضاقت عن النفس مساحتها لهم نزل بي، وأمر بلغ مني فخرجت أروح عنها، وأهون عليها، فما زلت أسير والنيل، حتى سال ذهب الأصيل، فإذا أنا من الأهرام أدنى ظلام، وقد فتر مني العزم، وسئمت الحركة، فجلست أنفس عني كرب المسير، واضطجعت وما تنبعث فيجارحة من التعب، وكنت في نفسي في وحدة الضيغم ومن همومي في جيش عرمرم، وجعلت أفكر في الدهر وأبنائه، فجرى على لساني هذا البيت:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير

<<  <   >  >>