ومن النماذج التي وضعها لكتاب الديوان قوله في رسالة، وجهها إليهم حتى في السودان:"صدر هذا الفرمان المطاع الواجب له القبول والاتباع، خطابا إلى الحاكم والعلماء والقضاة والأعيان، والوجوه والعمد ومشايخ البلدان، وعموم الأهالي المتوطنين في محافظة كذا بجهات السودان: ليكن معلومًا لديكم بوصول هذا المنشور إليكم، أنه قد اقتضت إرادتنا تنصيب فلان محافظًا عليكم، لما توسمنا فيه من الدراية والاستعداد، والسلوك في طريق الرشاد، وبذل الهمة في أمور المصلحة، ومزيد الاجتهاد".
وقد أفاد هذا الأسلوب كتاب الديوان من بعده، وصار لهم قدوة، ولكنه آخر تخلص النثر من طريقة هذه المدرسة الديوانية حتى أوائل عصرنا الحاضر؛ لأن أرباب هذا الأسلوب شغلوا المناصب الرفيعة، فظن الشادون في الأدب أنهم لو قادوهم لوصلوا إلى ما وصلوا إليه، فتمسكوا بأسلوبهم هذا أمد غير يسير، لقد استطاع عبد الله فكري أن يسترد بأسلوبه الديواني هذا للغة العربية مكانتها في المراسلات الديوانية، تلك المكانة التي فقدتها عدة قرون, وأن يزيح التركية من طريقها.
أما رسائله الإخوانية فقد بلغت حدًا كبيرًا من الجودة، وتذكرنا فعلًا بأسلوب مدرسة ابن العميد، والصاحب بن عباد والخوارزمي والصولي، من ذلك قوله معزيًا:
"يعز على أن أكاتب سيدي معزيًا، أو آلم به في ملمة مسليًا، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير التسليم، وقضاؤه الذي ليس له عدة سوى الصبر الكريم، وقد علم مولاي "أجمل الله صبره، ولا أراه من بعده إلا ما سره، وشرح صدره"، أن الله -جل ثناؤه وتباركت آلاؤه- إذا امتحن عبده فصبر آجره وعوضه بكرمه، كما أنه إذا أنعم عليه فشكره زاده وضاعف له نعمه، وقد عرف من حال سيدي في الشكر على السراء، ما يستوجب المزيد منها، والظن بحزمه وعلمه أن يكون حاله في الصبر على الضراء ما سيتجلب الأجر والتعويض عنها!!.