للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن يستعرض موضوعات الكتاب يجدها أنواعًا، فمنها التاريخي أو الذي يستطرد فيه لشوقي إلى التاريخ، وهنا تتجلى براعته، وقدرته على بعث الماضي حيا نضرا كموضوع قناة السويس، والأهرام، والمسجد الحرام، والبحر الأبيض المتوسط، وبعضها آراء خاصة في موضوعات اجتماعية مع تصوير دقيق موجز للآفات منها كالظلم، وشاهد الزور "والطلاق"، والكاتب العمومي، وبعضها تأملات تكاد تشبه الفلسفة كالحياة، والموت والمال، والأمس، واليوم والغد، والجمال، والصبر، والعلم، والذكرى، واللسان، والبيان، وبعضها وصفي خالص كالشمس والظبي، والأسد، والأسد في حديقة الحيوان، والشباب والزهر، والقلب، وبعضها ديني كالشهادة والصلاة والزكاة والحج والطلاق، وخطيب المسجد.

وقد آثر شوقي في كثير من الموضوعات السجع مع قصر الجمل، والإشارات التاريخية، وهو أشبه بالشعر المنثور، ففيه خيال شوقي، ورائع تصويره، وعاطفته، وجمال موسيقاه، وإن كان أحيانًا يولع بالغريب، ويتكلف في إيراد الألفاظ، ونرى شوقي في أخريات الكتاب قد عدل عن السجع إلى الازدواج، ولكن بعد ما بين رأيه في السجع ودافع عنه كما سيجيء.

ونرى شوقي في أوج أسلوبه حين يعرض للتاريخ، وحين يكون أسوان جياش العاطفة، خذ مثلًا موضوع قناة السويس، وتكاد تذكرنا في ملامحها العامة، وما ورد فيها من صور، وأفكار بقصيدته "كبريات الحوادث في وادي النيل"، لولا أنه قالها، وهو في طريقه إلى المنفى، فأضفى عليها حزنه لفرقة وطنه، وشعوره الحاد بالظلم عاطفة قوية زادتها روعة، وجمالًا.

يقول شوقي مخاطبًا ولديه حين عبرا معه القناة:

"تلكما يا ابني القناة لقومكما فيها حياة، ذكرى إسماعيل ورياه، وعليا مفاخر دنياه، دولة الشرق المرجاة، وسلطانه الواسع الجاه، طريق التجارة، والوسيلة والمنارة، ومشرع الحضارة، تعبرانها اليوم على مزجاة كأنها فلك النجاة، خرجت بنا بين طوفان الحوادث، وطغيان الكوارث، تفارق برًا مغتصبه مضرى

<<  <   >  >>