١٧ من نوفمبر سنة ١٨٩٨، والكتاب يجمع بين سمات الأدب العربي القديم، والأدب الغربي، فهو يجري على أسلوب المقامة في كثير من فقراته، في أسلوب قصصي، ويعالج موضوعات اجتماعية.
ليس حديث عيسى بن هشام قصة، إذ ليس فيه عقدة، وإنما هو لوحات مختلفة تبين بعض الفساد الذي دب إلى المجتمع، وبعض ما حدث من تغيير بمصر في مدى خمسين سنة منذ وفاة "الباشا" حتى بعثه، في نظمها القضائية، وحياتها الاجتماعية والسياسية، ولا يتقيد فيه محمد المويلحي بأسلوب المقامة من السجع القصير الفقرات، وإيراد مختلف المحسنات والتندر بالغريب كما كان يفعل الحريري، وإنما نراه يلجأ إلى هذا الأسلوب حين يتحدث هو متقمصًا شخصية عيسى بن هشام، وحين يصف منظرًا من المناظر، أما حين يسرد الحوادث، فيلجأ إلى الأسلوب المرسل، ويكاد يقرب من حديث الصحافة حيث لا تعمل ولا تكلف، بل يستخدم أحيانًا بعض الكلمات الدخيلة، وإن كان ذلك للضرورة أو للتندر.
قررته وزارة التربية والتعليم على طلبة المدارس عام ١٩٢٧، وجاء بتقريرها عنه ما نصه:"وحديث عيسى بن هشام إذا دخل في المطالعة لطلبة المدارس الثانونية أفادهم أجل الفائدة من ناحية ما يأخذهم به من بلاغة الكلام، وسلامة القول، والصيغة الطريفة التي تناولت كثيرًا من الأسباب الدائرة بين الناس، وهو ما يعوز جميع الكتب التي وضعت في عصور متقدمة، إلى ما يفسح في ملكاتهم، ويطبعهم على دقة الملاحظة وقوة التعبير، وتدبير ألوان الاحتجاج لطرفي الموضوع الواحد".
لقد تبينت فيه الوزارة أنه بخلاف الكتب القديمة يعالج الحياة المعاصرة، وما طرأ عليها من تغيير في فترة من الزمن، وينتقد أوجه الفساد ويشير إلى النقص، ويتهكم بانحراف في الطبع والسلوك، ولقد دل على ما يتمتع به المويلحي من قوة ملاحظة، وشدة تغلغل في صميم الحياة، وبخاصة حياة الدواوين التي ترتبط ارتباطًا قويًا بمصالح الجماهير.
يتخيل المويلحي، "وهو نفسه عيسى بن هشام" أنه كان في المقابر ذات ليلة بغية العظة، والاعتبار فسمع قبرًا ينشق ويخرج منه رجل، فارتعد خوفًا، وهم بالهرب، ولكن الرجل المدرج في الأكفان يناديه، وينبئه بشخصيته وأنه فلان باشا