وقد مرت بنا حملته على هؤلاء الذين يقفون الضباع الواسعة على قوم من ذوي البطالة والجهالة نظير انقطاعهم لتلاوة الآيات وترديد الصلوات، وقراءة الأحزاب والأوراد، ويريد أن ينقطع عنهم هذا الإحسان حتى يتعلموا صنعة أو مهنة يرتزقون منها رزقًا شريفًا.
فبهذا أمر الدين، وحث كل فرد على الإسهام في بناء المجتمع وخيره، وأما هؤلاء المحترفون للدعوات والصلوات، المتعطلون عن العمل النافع فهم ليسوا من الدين في شيء، والإحسان إليهم ضار بهم وضار للمجتمع على السواء.
وكذلك مرت بنا حملته على أدعياء التصوف، ومشايخ الطرق ويقول:"لو أنصفوهم لسموهم قطاع الطرق".
وقد رد على "كرومر" في كتابه مصر الحديثة MODERN EGYPT حين رمى الإسلام بكل نقيصة محتجًا بما صار إليه المسلمون من ضعف وهوان، وما عليه جمهرتهم من فساد وانحلال، وأخذ المنفلوطي في رده يفند مزاعمه، ويوازن بين الإسلام والمسيحية، والمدينة الحاضرة التي لا تمت إلى المسيحية بصلة، بل هي مدينة مادية بحت، تتنكر الأديان والروحانيات، وعزا في حماسة جارفة كل ما أصاب المسلمين من ضعف، وما دخل دينهم من خرافات ويدع إلى "قوم من المسيحيين، أو أشباه المسيحيين لبسوا لباس الإسلام، وتزيوا بزيه، ودخلوا فيه، وتمكنوا من نفوس ملوكه الضعفاء، وأمرائه الجهلاء فأمدوهم بشيء من السطوة والقوة، تمكنوا بها من نشر مذاهبهم السقيمة وعقائدهم الخرافية بين المسلمين ... "كل ما نراه اليوم بين المسلمين من الخلط في عقيدة القضاء والقدر، وعقيدة التوكل، وتشييد الأضرحة، وتجصيص القبور، وتزيينها، والترامي على أعتابها، والاهتمام بصور العبادات وأشكالها دون حكمها وأسرارها، وإسناد النفع والضر إلى رؤساء الدين، وأمثال ذلك أثر من آثار المسيحية الأولى، وليس من الإسلام في شيء".
وهو ينفي عن المسلمين التعصب الديني تلك التهمة التي يسارع إليها المستعمرون كلما وجدوا من المسلمين يقظة فكرية أو نهضة وطنية، ومع ذلك: "فهل التعصب الديني إلا اتحاد المسلمين يدا واحدة على الذود عن أنفسهم والدفاع عن جامعتهم، وإعلاء شأن دينهم حتى يكون الدين كله لله".