المسلمين الضعفاء الذين اقتحمت ديارهم الجيوش الجرارة، ويبث الحمية في نفوس المسالمين حتى يغيشوهم وينجدوهم، وينعي على المستعمرين الطغاة ظلمهم وقهرهم.
كتب المنفلوطي أكثر من مقال في هذا الموضوع، مدفوعًا بعاطفته الإسلامية القوية، وضع فيه ذوب قلبه حمية وغيرة على الدين وأهله ورثاء، ورحمة لهؤلاء الذين يتصدون للاستعمار الغاشم، ويتطلعون إلى إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها، يناشدونهم القوة والنصرة، ويشيد ببطولتهم وحميتهم العربية الإسلامية في الذود عن ديارهم مع قلة عددهم وفقرهم.
ولقد كان لمقالاته في المؤيد أثرها، ونادى المؤيد بإنشاء هيئة الهلال الأحمر مزودة بالأطباء والأدوية، والأغطية والممرضين لإسعاق أهل ليبيا الأبطال، وماكان أحوجهم آنذاك إلى هذه النجدة، فضلًا عن تطوع كثير من أبناء مصر للحرب في صفوف إخوانهم العرب المسلمين.
ومع هذه العاطفة الدينية التي تجلت في كتاب المنفلوطي، ومواقفه الرائعة في الدفاع عن الدين، فإنه لم يكن متزمتًا، أو متنطعًا في دينه، بل كان متأثرًا بأستاذه محمد عبده، يفهم رسالة الدين فهمًا صحيحًا، ولا يحتفل كثيرًا بتلك القشور والمظاهر التي ليست من الدين في شيء، لم يكن ممن يعتقدون في شفاعة الأولياء، ويستنكر زيارة أضرحتهم والتوسل إليهم، اسمعه يقول لصاحبه في مقاله "يوم الحساب"، وكيف رد صاحبه عليه؟ :
- هل تستطيع أن تشفع لي أو تطلب لي شفاعة من ولي من الأولياء، أو نبي من الأنبياء؟
- لا تطلب المحال، ولا تصدق كل ما يقال، فقد كنا مخدوعين في الدار الأولى بتلك الآمال الكاذبة التي كان يبيعها لنا تجار الدين بثمن غال، ولا يتقون الله في غشنا وخداعنا، وما الشفاعة إلا مظهر من مظاهر الإكرام والتبجيل يختص به الله بعض المقربين، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ... إلخ.