للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن الرجل لم يكن متعمقًا في الدراسات الاجتماعية، ولم يلجأ إلى المعالجة العلمية، وإنما لجأ إلى ما سماه "حديث القلب" مكمن العاطفة، والغاية عنده هي التأثير في سامعه أو قارئه، وقد وصل في ذلك إلى ما يريد في معظم ما دبج من مقالات، لم يكن يخاطب الخاصة، وإنما كان يخاطب جمهرة المثقفين، ولم يكن يحفل بآراء الخاصة في أدابه حتى لا يشككوه في رأيه، وطريقته، ونفوسهم في الغالب منطوية على أغراض شخصية أقلها حسد المنفلوطي على المنزلة التي احتلها بين جمهرة القراء، أو تشيعه السياسي لحزب معين أو زعيم بذاته، ونحن نعلم أنه كان وفيًا لسعد زغلول، وأن بعض خصوم سعد تهجموا على المنفلوطي لإخلاصه المفرط لذلك الزعيم مثل محمد الههياوي وغيره.

وإن من الخطأ الفاضح أن يحكم على آدب أديب بمقاييس عصر آخر، وكان الواجب على هؤلاء الذين جرحوا أدب المنفلوطي أن يتصوروا عصره وما كانت عليه الكتابة في عهده، من ناحية الأسلوب ومن ناحية المعنى، وكيف كان معاصروه، ومن أمثال محمد المويلحي في "حديث عيسى بن هشام"، وتوفيق البكري في "صهاريج اللؤلؤ"، وحافظ إبراهيم في "ليالي سطيح" لا يزالون يتعلقون بأذيال الماضي، وبالعبارة المتكلفة المسجوعة، وبضروب البديع المختلفة، وإظهار البراعة اللفظية، والغزارة اللغوية، وأن المنفلوطي قد نفض عنه ذلك كله، وهو إن نظر إلى الأدب القديم فإنه قد تخلص من ربقته، وأتى بأسلوب جديد فيه سلاسة وعذوبة، يعبر عن مقتضيات عصره، وعما يختلج في نفسه من مشاعر بصدق وصراحة، مع شيء من المبالغة يقتضيها المقام، وأن ذلك الأسلوب كان فتحًا جديدًا في النثر العربي.

<<  <   >  >>