والنظام عناصر لا بد من توافرها في الشعر، وأن الجمال هو مزج القوة بالضعف، وجعلهما شيئًا يعبر جميعه عن الإرادة الأشد والأكثر عذوبة.
ولا يسعنا أن نتتبع كل هذه الدراسات عن الآداب الأجنبية في مختلف المجالات، وإنما الذي يعنينا أن معظم الباحثين كانوا يعقدون موازنات قيمة بين الآداب الغربية والأدب العربي في فنونه المختلفة، ويحاولون التعرف على أوجه القوة والضعف، وقد كان لذلك أثره الواضح في أدبنا كما سنبينه إن شاء الله.
وكان من الطبيعي وقد اشتد تيار الثقافة الغربية كما رأينا، وجدت مقاييس جديدة للأدب أن يحدث خلاف بين المجددين والمحافظين لا حول مفردات اللغة، ولكن حول الأساليب، وصور البيان، فلكل عصر حضارته ومزاج أهله الخاص بهم، ولكل شعب بيئته التي يستمد منها صوره وخيالاته، ولذلك يجب أن تعبر اللغة عن مقتضيات العصر وحضارته ومزاج أهله، فإذا كان العرب في صحرائهم قد قالوا قديمًا: أثلح الله صدره، وسقيا له، وذهبت ريحهم، وأخذ زمام الأمر بيده، وحدا بي إلى كذا فإن هذه التعبيرات إنما كانت من وحي البيئة البدوية، وعلينا أن نمثل بيئتنا في أدبنا ونستوحيها في صورنا وخيالاتنا، واستعاراتنا وكتاباتنا.
وقد أشفق كثير من المحافظين على ثقافتنا العربية من ذلك الغزو الفكري الغربي، فقال محب الدين الخطيب "الفتح في ٩ يناير ١٩٣٠" تحت عنوان الاستعمار الفكري في الشرق: "إن موقفنا الفكري والثقافي دقيق جدًّا، ومن أكبر المصائب على الشرق العربي أن تكون فيه القيادة ضعيفة إلى حد لا يكون لها صوت مسموع في تعيين الطريق التي يجب أن نسير فيها، وألا يكون لها رأي متبع فيما ينبغي أخذه، وما ينبغي مقاطعته من بضائع الفكر الغربي، وألا تكون لها تشكيلات منظمة لوضع الغذاء الفكري بين أيدي الجماهير حتى ينفذوا به عن مد أعينهم إلى ما يأتينا به الغرب من دسم مشوب بالسم".
ولما كانت السيطرة على حرية الناس مستحيلة، فإن من الضروري أن يكون لنا من المثقفين بالمعارف على اختلاف صنوفها رجال أيقاظ، ينصرف كل فريق منهم