للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن العميد، ويعمد إلى الخيال المجنح، ويكسب كلامه قوة ما فيه من عاطفة جياشة، تفيض من قلب مليء بالإخلاص والمحبة لوطنه الكبير، وكان كذلك كثير الاقتباس من آي الذكر الحكيم، فأسبغ على كلامه طلاوة جعلت سجعه مقبولًا.

كان أديب إسحاق يحيل كل موضوع يتناوله قلمه إلى قطعة أديبه، فيها كل مقومات الأسلوب الأدبي، حتى المقالة السياسية، داخلية كانت أم خارجية دع جانبًا كلماته عن كل ما يعلى شأن الوطن قوميًا أو اجتماعيًا، وإذا كانت جريدتاه مصر، والتجارة تعدان من الصحابة اليومية السياسية، فإن روحه الأدبية وأسلوبه الجميل جعلهما مصدرًا من مصادر الأدب في تلك الحقبة.

أصدر أديب هاتين الصحيفتين بإيعاز من أستاذه جمال الدين، وما لبثنا أن تبوأنا مكانة ممتازة في عالم الصحافة الحرة الجريئة التي تسعى لخير مصر بخاصة والأمة العربية بعامة، وتقض مضاجع حاكم السوء الذي كان يتبوأ عرش مصر حينئذاك، يظاهره وزراء باعوا ضمائرهم للشيطان، ولذلك تعرضتا لسخطه ومقته، واضطر أديب بعد أن أغلقتا إلى الهجرة إلى باريس، ولكن لم تثنه الغربة ولوعة النفي عن متابعة الجهاد، فأصدر في جريدة القاهرة، وظل يصدرها على الرغم مما يلاقي من صعوبات حتى اشتدت عليه علة الصدر فغادرها إلى لبنان.

ولنستمع إليه يحدثنا عن بعض المشكلات السياسية والخارجية، من ذلك حديثه عن مؤتمر برلين سنة ١٨٧٨، وفيه يقول: "وهذه الدولة العثمانية قد أكرهت على ما تكره، وتضامنت لحكم الزمان، فتقلص ظل مجدها، وأقل نجم سعدها وأصبحت بين الروسية، وإنجلترا كالسفينة بين عاصفتين، فلجأت إلى الثانية رجاء أن تشد أزرها، وتؤيد أمرها، فكانت كالمستجير بالنار من الرمضاء، إذا استولت إنجلترا على أحسن جزائرها، وقبضت على زمام الإدارة في بلادهم الآسيوية، وألقت الوحشة بينها وبين دولة إسلامية مهمة، وجعلتها بين داخلية ممزقة بالفتن، وخارجية مشوهة بالعداوة والإحن".

<<  <   >  >>