للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الفور، بحيث إن الكاتب يسلك سبيله المعلوم بلا دليل، وكيف كان، ففي التنسيق ثلاثة أمور ضرورية: وحدة الموضوع، وتلاحم الأجزاء، واستقلالها التدريجي".

وبمثل هذا المنهج وضع أديب أصول المقالة الحديثة، ولدق كان يبالغ أحيانًا فيقسم المقالة إلى فقرات، ويضع لكل فقرة رقمًا، وربما أراد بهذا هداية كتاب المقالة في بادئ الأمر، حتى يلتزموا الطريق السوي في الكتابة، وعلى الرغم من أن أديب نادي بالأسلوب المرسل، والتخلص من السجع إلا ما جاء عفو الفريحة، فإن للعادة تأثيرًا كبيرًا، وظل السجع غالبًا على مقالاته وقطعه الأدبية حتى أخريات حياته.

لقد كان تلاميذ جمال الدين ثلاثة أنماط: منهم من يعذب الفكرة على العاطفة في كتابته كالشيخ محمد عبده، واللقاني وسعد زغلول، ومنهم من ينهج المنهج الخطابي الخالص، فيترك لعاطفته العنان تروج به هنا، وهناك في أسلوب يعلو تارة حتى يصير وقفًا على الخاصة، ويسف أحيانًا ليكون مفهومًا من العماية كعبد الله نديم، ومنهم من يقف بين بين، يشتعل حماسة ويتأجج عاطفة، ويأتي بالمعنى الغزير والفكرة المستقيمة، ومع هذا يمسك عنان عاطفته حتى لا تجمح به، ويقود يراعه بصرامة، وحزم في طريق مرسوم، ومهيع معلوم، مثل أديب إسحاق.

وقبل أن أنهي الكلام عند أذكر له خاصتين تميز بهما عن سواه: إحداهما أنه كان يجيد الفرنسية، ويكثر في كتابته من الاستشهاد بكلام أعلامها أمثال فولتير ورسوا وهوجو وأضرابهم، وكان يتكئ في معانيه على أفكارهم وبخاصة في حديثه عن الحرية والمساواة، وحقوق الشعب وسلطة الحاكم، كما كان يترجم القصص والمسرحيات للمسرح الذي شارك فيه سليم نقاش، ولا شك أنه بترجماته، واقتباسه من معاني الأدب الغربي قد أثرى الأدب العربي، ومزج بحذق ودراية بين ثقافته العرخبية المتينة، وثقافته الغربية الواسعة، فكان بذلك نموذجًا للكتاب الذين نهلوا من الثقافتين.

<<  <   >  >>