الشتاء تأتي على النبت والأشجار، فتنزع ورقها وتذهب بنضارتها وهي في الواقع تزيدها قوة، وتبعث فيها دوافع النمو، حتى إذا جاء الربيع أبرزت ما أعدته فيها تلك القواسر من قوى النمو، وانجلت بالحلل الخضر مكللة بتيجان الزهور، مرصعة بجواهر الثمار، فلا يصح بعد هذا أن تستفزك حوادث الأيام اضطرابًا أو استغرابًا، أو أن تحسبها من قبيل البخت أو الاتفاق".
وبعد أن تحدث عن الصدام بين القوانين: الطبيعية المتأصلة، والمعارضة القاصرة قال عن أثر هذا الصدام: "وهذا سر ما نراه في هذه الأيام من الفتنة، والحوادث العظيمة الناشئة عن حركة الخواطر في البلاد الواقعة تحت رق الاستعباد، فلا يحسب الناظر إليها المتهيب منها، إنها ناتجة من فساد الأخلاق ورداءة الطباع، وسفالة النفوس، مستدلًا على ذلك بما يرتكبه أهلها من المنكرات كالقتل والاغتيال والأسر بالاحتيال، كلا، وإنما هي نتيجة استبداد الأمراء، وعسف الرؤساء وظلم الزعماء، فإن هذه القواسر تنصب على قوة الحرية
الكامنة في صدور الأفراد فيحصل لها الضغط، فتندفع من بعده، فتخرج بشدة اندفاعها عن مركزها الطبيعي، وتقضي بصاحبها إلى الإفراط، وبناء عليه فما
القتل وما الأسر وما الفتنة، وما الثورات إلا نتائج الاستبداد المترتبة عليه لزومًا
ووجوبًا".
بمثل هذا المنطق الهادئ، والتحليل العميق ظهر اللقاني في جل ما تناوله من موضوعات، وهو أسلوب واضح مقنع قوي، ولكن تنقصه مقومات الأسلوب الأدبي، وتكاد تختفي فيه العاطفة في حين تتألق الفكرة، وبمثل هذا الأسلوب اتضحت سمات المقالة الصحفية أو الاجتماعية، وتميزتا عن المقالة الأدبية، وسنعرف فيما بعد خصائص كل منها.