أو يدعي القلة أو الخسران، لكيلا يزيد في رابته ما يكفيه، فقيل: هذا هو المخدوم ... إلخ":
ونرى أنه في الفقرة الأولى أجاد في وصف حالة الخادم، وكان كلامه منبعثًا عن عاطفة الرحمة، والشفقة، والرثاء، وقد ثبت فيه هذه العاطفة شيئًا من الحياة، ومع هذا نراه لا يستطيع ترك السجع جملة، فإذا هو في الفقرة الثانية يعود إليه، ولكنه سجع مستساغ، إذ تؤدي الجمل معناها، وتصور حال المخدوم أحسن تصوير، وتذكرنا هذه الموضوعات الكثيرة التي دبجها يراع نجيب الحداد في الظواهر الاجتماعية الفاسدة، والعمل على إصلاح الخلل الاجتماعي في نواحيه، بما كلف به المنفلوطي فيما بعد، مع تشابه في العاطفة؛ لأن كلا منهما أظهر حدبًا بالغًا وأسى واصبًا على الفقراء والمنكوبين.
أما في العراق فالحق يقال، لقد ظلت الكتابة الفنية متعثرة تسير فيما درج عليه الكتاب من قبل، على طريقة المقامات في عصورها المتأخرة، ولم يتطور في أسلوبه أو موضوعاته، إذ لم يكن يعدو في خلال القرن التاسع عشر مقدمات الكتب، وبعض دواوين الشعر، والتقاريظ والرسائل، والرحلات والمقامات، والشكاوي التي كانت ترفع إلى السلطان، والولاة والحكام.
أما النثر الصحفي، فلم تكن في العراق صحافة كصحافة مصر، أو لبنان في القرن التاسع عشر، وربما كان تأخر الطباعة، وبدائيتها من العوامل التي علقت الصحافة العراقية عن التطور فضلًا عن أن العراق كان يحكم من قبل الأتراك حكمًا مباشرًا، وأولى صحفه، وهي "الزوراء" التي صدرت في سنة ١٨٦٩ أصدرها الوالي التركي مدحت باشا، وراعى فيها لغة الدولة والموظفين، ولغة الذين يقرأون من أبناء العراق، وعددهم كان قليلًا، ولذلك صدرت باللغتين التركية والعربية.
وظهر إلى جانبها صحيفتان حكوميتان هما "الموصل" في ١٨٨٥، و "البصرة" في ١٨٩٥، ولم يصدر في العراق طوال القرن التاسع عشر غير هذه الصحف الثلاث تسيطر عليها الحكومة التركية، فلم يتسع فيها المجال لترعرع الأقلام الحرة الناشئة.
ولذا نستطيع أن نقول في شيء من الطمأنينة: إن الأسلوب الأدبي في العراق ظل يوسف في أغلال الماضي يعاني من الركة والضحالة، وقيود البديع، ولا يعني أي عناية بالحياة من حوله إلا فيما ندر، أما النثر الصحفي فقد كان معدومًا للأسباب التي أوردناها آنفًا.