ولو بادر رجلٌ وسبق المؤثر إلى المكان، فهل هو أحق به من الموثر، أم لا؟ فيه وجهان لأصحابنا وغيرهم.
وأما من فسح له في مجلسٍ أوصفٍّ، فلا يكره له الجلوس فيه).
وقال السيوطي ﵀ في الأشباه والنظائر (١): (قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩]. قال الشيخ عز الدين: لا إيثار في القربات، فلا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول، لأن الغرض بالعبادات: التعظيم، والإجلال؛ فمن آثر به، فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه.
وقال الإمام: لو دخل الوقت ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ليتوضأ به لم يجز، لا أعرف فيه خلافًا، لأن الإيثار: إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس، لا فيما يتعلق بالقرب، والعبادات.
وقال في شرح المهذب، في باب الجمعة: لا يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه، فإن قام باختياره، لم يكره، فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره.
قال أصحابنا: لأنه آثر بالقربة، وقال الشيخ أبو محمد في الفروق: من دخل عليه وقت الصلاة، ومعه ما يكفيه لطهارته، وهناك من يحتاجه للطهارة، لم يجز له الإيثار.
ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام، لاستبقاء مهجته، كان له ذلك، وإن خاف فوات مهجته.
والفرق: أن الحق في الطهارة لله، فلا يسوغ فيه الإيثار، والحق في حال المخمصة لنفسه.