المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرًّا، والثابت للضرورة مؤقتا كما تقدم.
ثم إنما يضاف تجويز الحكم إلى الحاجة فيما يظهر إذا كان تجويزه مخالفًا للقياس، وإلا كانت إضافته للقياس أولى.
والظاهر أن ما يجوز للحاجة، إنما يجوز فيما ورد فيه نصٌّ يجوِّزه، أو تعاملٌ، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نصٌّ يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وجعْل ما ورد في نظيره واردا فيه.
كما في بيع الوفاء (١)، فإن مقتضاه عدم الجواز، لأنه إما من قبيل الربا، لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة، كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالثمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مسَّت الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها، جُوِّز على وجه أنه رهنٌ أبيح الانتفاع بأنزاله، والرهن على هذه الكيفية جائز.
أو كان لم يرد فيه نصٌّ يجوِّزه أو تعاملٌ، ولم يرد فيه نصٌّ يمنعُه، ولم يكن له نظيرٌ جائز في الشرع يمكن إلحاقُه به، ولكن كان فيه نفعٌ ومصلحةٌ، كما وقع في الصدر الأول من تدوين الدواوين، وضرب الدراهم، والعهد بالخلافة وغير ذلك مما لم يأمر به الشرع ولم ينهَ عنه، ولم يكن له نظيرٌ قبل، فإنه دعت إليه
(١) بيع الوفاء: مصطلح خاصٌّ بالمذهب الحنفي؛ وهو: البيع بشرط أن البائع متى ردَّ الثمن، يرد المشتري إليه المبيع، وهو محرم عند الحنابلة والمالكية والشافعية، جائز عند الحنفية. ودليل منعه: قوله ﷺ: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»، ولأن شرط رد السلعة متى ما ردَّ البائع الثمن، هو شرط ينافي مقتضى العقد، والشرط المنافي لمقتضى العقد باطل، كما أن حقيقة بيع الوفاء قرضٌ جرَّ نفعًا، فهو حيلة للتوصل للربا.