للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا (١): (أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكره؛ فإن القُرُبات كلها مَبْنَاها على النيات، ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقَصْد، ولهذا لو وقع في الماء ولم ينو الغسل، أو دخل الحمام للتنظيف، أو سَبَحَ للتبرُّد لم يكن غسله قربة ولا عبادة بالاتفاق، فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له. ولو أمْسَكَ عن المُفْطِّرات عادة واشتغالًا ولم ينو القربة لم يكن صائمًا. ولو دار حول البيت يلتمس شيئًا سقط منه لم يكن طائفًا.

ولو أعطى الفقير هبةً أو هدية ولم ينو الزكاة لم تحتسب زكاة. ولو جلس في المسجد ولم ينو الاعتكاف لم يحصل له ثوابُه.

وهذا كما أنه ثابت في الإجزاء والإمتثال فهو ثابت في الثواب والعقاب؛ ولهذا لو جامع أجنبيةً يظنها زوجتَه أو أمَتُه لم يأثم بذلك وقد يُثاب بنيته. ولو جامع في ظُلمةٍ من يظنُّها أجنبية فبانت زوجتُه أو أمَتُه أثم على ذلك بقصده ونيته للحرام.

ولو أكل طعامًا حرامًا يظنّثه حلالًا لم يأثم به، ولو أكله وهو حلال يظنه حرامًا وقد أقدم عليه أثِم بنيته. وكذلك لو قتل مَنْ يظنه مسلمًا معصومًا فَبَانَ كافرًا حربيًّا أثم بنيته. ولو رمى صيدًا فأصاب معصومًا لم يأثم، ولو رمى معصومًا فأخطأه وأصاب صيدًا أثِم، ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار (٢) لنية كل واحد منهما قتل صاحبه).


(١) ينظر: إعلام الموقعين، ابن القيم (٣/ ٩٠).
(٢) يشير إلى حديث الأحنف بن قيس ، قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل -يعني: علي بن أبي طالب ، فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت رسول الله يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟، قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»، أخرجه البخاري برقم (٣١)، ومسلم برقم (٢٨٨٨).

<<  <   >  >>