وعلى هذا إذا صلى وهو يشك هل هو محدث أو متطهر، ثم تيقن أنه كان متطهرا؟ فإنه يعيدها أيضًا. وكذلك إذا صلَّى إلى جهة وشك هل هي القبلة أو غيرها، ثم تبين له أنها جهة القبلة.
وكذلك إذ شك في طهارة الثوب والبدن والمكان، فصلى فيه ثم تيقن أن ذلك كان طاهرًا، لأن الأصل هنا الطهارة، وقد تيقنه آخرًا، فتوسط الشك بين الأصل واليقين لا يؤثر بخلاف المسائل الأولى، لأن الأصل فيها عدم الشك، فالشك فيها مستند إلى أصل يوجب عليه حكمًا لم يأت به.
والذي يقتضيه أصول الشرع وقواعد الفقه في ذلك هو التفرقة بين المعذور والقادر، فالمعذور لا يجب عليه الإعادة إذا لم ينسب إلى تفريط، وقد فعل ما
أداه إليه اجتهاده وأصاب، فهو كالمجتهد المصيب.
وعلى هذا فإذا تحرى الأسير وفعل جهده وصام شهرًا يظنه رمضان، وهو يشك فيه فبان رمضان أو ما بعده، أجزأه مع كونه شاكًّا فيه (١).
وكذلك المصلِّي إذا كان معذورًا محتاجًا إلى تعجيل الصلاة في أول الوقت؛ إما لسفر لا يمكنه النزول في الوقت ولا الوقوف، أو لمرض يغمى عليه فيه، أو لغير ذلك من الأعذار، فتحرى الوقت وصلى فيه مع شكِّه، ثم تبين له أنه أوقع الصلاة في الوقت، لم يجب عليه الإعادةُ.
بل الذي يقوم عليه الدليل في مسألة الأسير؛ أنه لو وافق شعبان لم يجب عليه الإعادة، وهو قول الشافعي، لأنه فعل مقدورَه ومأمورَه، والواجب على
(١) ينظر: المغني، ابن قدامة (٣/ ١٦٧)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (٣/ ٢٧٩)، والمبدع في شرح المقنع، ابن مفلح (٣/ ١٠)، والشرح الكبير، ابن قدامة المقدسي (٧/ ٣٥١).