للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك: ما لو اشترى أحد شيئًا ثم ادعى أن به عيبًا وأراد ردَّه، واختلف التجار أهل الخبرة فقال بعضهم: هو عيب، وقال بعضهم: ليس بعيب، فليس للمشتري الردُّ، لأن السلامة هي الأصل المتيقن فلا يثبت العيب بالشك.

ومن ذلك: ما لو طلق الرجل زوجته، وكانت ذات لبن، وتزوجت بآخر بعد عدتها، فحملت منه وأرضعت طفلًا في مدة الحمل، فإن لبنها لم يزل معتبرًا من الزوج الأول، فتثبت به حرمة الرضاع بالنسبة له، لأنه كان متيقنًا أن اللبن منه، فلا نحكم بأنه من الثاني بمجرد الشك الحاصل بسبب حبلها من الزوج الثاني، فإذا ولدت يحكم حينئذ بأن اللبن بعد الولادة من الثاني) (١).

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يحتج بهذه القاعدة على فضل الصحابة وعدالتهم فيقول (٢): (ما علم بالكتاب والسنة والنقل المتواتر من محاسن الصحابة وفضائلهم، لا يجوز أن يدفع بنقولٍ بعضُها منقطع، وبعضها محرَّفٌ، وبعضها لا يقدح فيما علم، فإن اليقين لا يزول بالشك، ونحن قد تيقنا ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف قبلنا، وما يصدق ذلك من المنقولات المتواترة من أدلة العقل، من أن الصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء، فلا يقدح في هذا أمورٌ مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلانُها؟!).

(ولا يكاد يخفى على الناظر في هذه القاعدة الجليلة وتطبيقاتها ما تتضمن من التيسير ورفع الحرج من جهة تخليص المكلف من الشك الذي قد يقع له فيورث الحيرةَ والترددَ، وذلك ببيان الطريق إلى ذلك، وهو إلغاء ذلك الشك واعتباره في حكم المعدوم والعمل بما تيقنه أولًا.


(١) ينظر: المرجع السابق (ص ٨٢).
(٢) ينظر: منهاج السنة النبوية (٦/ ٣٠٥).

<<  <   >  >>