للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وإما أن يكون قد تعلّم ولم يعمل، لا لقصد الرياء، وإنما تكاسلاً وإعراضاً، وهذا مصيبة أيضاً؛ لأنه ليس كالجاهل، فقد ميّز وأدرك، وعرف الحق بدليله، فقامت عليه الحجة.

فلا تكن يا طالب العلم كالوعاء الذي يحمل العلم ويوصله إلى غيره وهو لا ينتفع به، فإذا أردت أن تنال البركة في العلم، وأن تنال الزيادة فيه، وأن تحقق الثمرة منه فاعمل بما تعلمته من الواجبات ومن السنن، فإذا تعلمت أحكام الصلاة فكن لها مطبقاً، وإذا تعلمت سنة، أو واجباً فكن بما تعلمته عاملاً، وقد ورد في الحديث وإسناده ضعيف عند أهل العلم؛ لكنه مما يذكر هنا: «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (١)، وقال إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع: «كُنَّا نَسْتَعِينُ بِالْحَدِيثِ عَلَى حِفْظِهِ بِالْعَمَلِ» (٢)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِلْمَ أَصْلُ الْعَمَلِ وَصِحَّةُ الْأُصُولِ تُوجِبُ صِحَّةَ الْفُرُوعِ» (٣).

واعلم أنه ينبغي على طالب العلم أن يكون تعبده أكثر من غيره، فإن لديه من العلم ما يبصره بربه، ثم إن العلم نعمة، ونعم الله تقابل بالشكر، وذلك يكون بالعبادة، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عَنِ الرجل يكتب الحديث فيكثر، فقَالَ: «ينبغي أن يكثر العمل به عَلَى قدر زيادته فِي الطلب»، ثم قَالَ: «سبيل العلم مثل سبيل المال إن المال إذا زاد زادت زكاته» (٤).

وما أعظمها من كلمة من هذا الإمام، تجعل طالب العلم يقف طويلاً أمام نفسه وحاله مع ربه سبحانه.


(١) انظر: «فيض القدير» للمناوي (٤/ ٥١٠ - ٥١١)، و «كشف الخفاء» للعجلوني (٢/ ٣٤٧).
(٢) انظر: «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (٢/ ٢٥٩).
(٣) انظر: «مجموع الفتاوى» (٤/ ٥٣).
(٤) انظر: «طبقات الحنابلة» ابن أبي يعلى (١/ ١٨٨).

<<  <   >  >>