للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: إذا تبين تعريف التوكل فاعلم أن الناس تجاه التوكل على الله طرفان ووسط، والتوكل الحقيقي وسط بين طرفين مذمومين:

• أما الطرفُ الأول: فهو الذي يقول: أنا معتمد على الله، وأنا متوكلٌ عليه، ومع ذلك لا يفعل شيئاً من الأسباب.

وليس يخفى أن هذا خللٌ عظيم، كحال الذي يبقى في بيته ويقول: إذا كتب الله لي رزقاً سيأتيني وهكذا.

وفي حديث ابن عباس قال: «كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (البقرة: ١٩٧)» (١)، فعوتبوا على تركهم التزود، وأمروا بالزاد، فدل على أن التوكل لابد فيه من صدق الاعتماد مع فعل السبب، فالذي يعتمد على الله ولا يفعل السبب غير متوكل، كحال المزارع: الذي يتوكل على الله ويلقي الحب في الأرض ويجمع بين الأمرين.

ولذلك أخرج البيهقي في شعبه عن معاوية بن قُرّة، أن عمر بن الخطاب أتى على قومٍ فقال: «مَا أَنْتُمْ؟» فقَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فقَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَّكِلُونَ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُتَوَكِّلِينَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً فِي بَطْنِ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ» (٢).

• وأما الطرف المذموم الآخر: فهو الذي يسعى ويجتهد في فعل الأسباب، ولكنه يطغى عليه ذلك حتى يعتقد أنها هي المؤثرة، وينسى أن التغيير والتدبير هو من الله، فتجد أنه يرى أن فلان هو الذي يرزقه، وإذا قطع فلان رزقه انقطع ومات.


(١) أخرجه «البخاري» (١٥٢٣).
(٢) انظر: «شعب الإيمان» (٢/ ٤٢٩).

<<  <   >  >>