وظاهر لفظه. . . وإنما يستقصى الدارس النظَر في أبواب البلاغة باباً باباً، حتى يعرف بها الشاهد والدليل، فلا يكون كمن قيل فيه:
يقولون أقوالاً ولا يعلمونها. . . فلو قيل هاتوا حَقَّقوا، لم يحققوا"
وقطعاً لعذر المتهاون، يقدم الجرجاني مباحثه البلاغية "يهدي فيها إلى أمور في نظمها، لا غنى بالعاقل عن معرفتها، والوقوف عليها والإحاظة بها" - ٣٣
وهو فيما يعرض له من أبواب البلاغة، لا يتحرى تناولها في النظم القرآني والاستئهاد لها منه، وإنما يصرف النظر عنه عمداًَ، مصرحاً بقوله:
"إن الجهة التي يقف منها - الباحث - والسبب الذي تُعرف به بلاغة النظم، استقراء كلام العرب وتتبع أشعارهم والنظر فيها" - ٣٣
ومن ثم مضى في مباحثه البلاغية، فاستوفى القول في: تحقيق الفصاحة والبلاغة، وتوقف النظم على التركيب النحوي، ونظم الكلام ومكان النحو منه، والكناية والإستعارة، ومزايا النظم بحسب المعاني والأغراض، والتقديم والتأخير، والحذف والإثبات، والتعريف والتنكير، والقصر والاختصاص. . .
ملتمساً لكل فصل منهلا شواهده من بليغ الشعر والنثر، وقد يقدم بين حين وآخر شاهداً قرآنياً على سبيل التنظير.
ومحتجاً بهذا كله لشرف علم البيان الذي "لا ترى علماً هو أرسخ منه أصلاً وأبسق فرعاً وأحلى جنى وأعذب وِرْداً وأكرم نتاجاً وأنور سراجاً. والذي لولاه لم تر لساناً يحرك الوشى ويصوغ الحلى ويلفظ الدر وينفث السحر ويقرى الشهر ويريك بدائع من الزهر ويجنيك الحلو اليانع من الثمر، والذي لولا تحفيه بالعلوم وعنايته بها وتصويره إياها، ابقيت كامنة مستورة، ولما استبنتَ لها يدَ الدهر صورة، ولاستمر السرار بأهلَّتها واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء" - ٤
* * *
وما نجادل فيما ذهب إليه "الجرجاني" من أن الدراية بأسرار للعربية، هي