يعني حملهم على الإقرار بأن البلاغة ليست إلا النظم - لأنا ملكنا في ذلك أن نضظرهم إلى أن يعلموا صحة ما نقول. وليس الأمر في هذا كذلك، فليس الداء فيه بالهين، ولا هو بحيث إذا رمت العلاج منه وجدت فيه الإمكان مع كل أحد مسعفاًَ والسعي منجحاً. لأن المزايا التي تحتاج أن تُعلمهم مكانها وتصور لهم شأنها، أمور خفية ومعان روحانية، أنت لا تستطيع أن تنبه السامع لها وتُحدِث له علماً بها، حتى يكون مهيَّئاً لإدراكها وتكون له طبيعة قابلة لها، ويكون له ذوق وقريحة يجد لهما في نفسه إحساساً بأن من شأن هذه الوجوه والفروق أن تعرض فيها وقريحة يجد لهما في نفسه إحساساً بأن من شأن هذه الوجوده والفروق أن تعرض فيها المزية على الجملة، ومن إذا تصفح الكلام وتدبر الشعر، فرَّق بين موقع شيء منها وشيء، ومَن إذا أنشدته قول الشاعر:
لي منك ما للناس كلهم. . . نظرً وتسليم على الطرقِ
وقول البحتري:
وسأستقل لك الدموع صبابةً. . . ولو آن دجلة لي عليك دموعُ
وقوله رأت مَكِناتِ الشيب فابتسمت لها. . . وقال: نجوم لو طلعن بأسعدِ
وقول أبي نواس:
ركب تساقوا على الأكوار بينهم. . . كأس الكرى فانتشى المسقى والساقي
كأن أعناقهم والنومُ واضعها. . . على المناكب لم تعمد بأعناق
وقوله:
يا صاحبَّى عصيتُ مصطبحاً. . . وغدوت للذّّات مُطَّرحساً
فتزودا مني محادثة. . . حذرُ العصا لم يُبِق لي مرحاً
وقول إسماعيل بن يسار:
حتى إذا الصبح بدا ضوؤه. . . وغابت الجوزاء والمرزم
خرجتُ والوطءُ حفى كما. . . ينساب من مكمنه الأرقم
"إذا أنشدته هذه الأبيات - ولاحظْ أن الجرحاني على منهجه في الدلائل في الاستكشار من الشواهد الشعرية، لا القرآنية - أنِق لها وأخذته الأريحية عندها،