وعندنا لا عمل لنص الاستثناء في الحكم وإنما ينعدم حكم الجملة في قدر المستثنى لتناهي نص الجملة إلى قدر الاستثناء، كالإيجاب إلى غاية ينعدم حكمه إذا انتهى إلى الغاية لا بنص الغاية بل بانعدام الأول إذا جاءت الغاية كالصوم إلى الليل، وإباحة الأكل إلى الفجر ونحوهما.
ولنا ولهم مسائل تدل على صحة المذهبين على ما نذكرها بعد ذكر الحجة.
أما الشافعي فإنه احتج بكلام أهل اللغة أن الاستثناء من النفي إثبات، والاستثناء من الإثبات نفي، فقد أطبقوا على أن لنص الاستثناء حكم بخلاف حكم الجملة المستثنى منها قال الله تعالى:{فشربوا منه إلا قليلاً منهم}: أي إلا قليلاً لم يشربوا، إلا أنه لم يقله اختصاراً لدلالة الصدر عليه بدليل عدم ثبوت الشرب صفة لهم بموجب اللغة.
وكذلك قوله تعالى:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً} أي خمسين عاماً لم يلبث فيهم.
وكذلك كلمة الشهادة (لا إله إلا الله)، أي إلا الله فإنه الإله لأنها شرعت لنفي الألوهية عما سوى الله تعالى وإثباتها لله تعالى وحده.
وكذلك قول الله تعالى:{لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً* إلا قيلاً سلاماً سلاماً} أي إلا سلاماً، فإنهم يسمعونه وقد نص الله عليه في قوله:{فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين} ثم قال في قول الله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من} أن ظاهر الاستثناء نص على أن التائبين ليسوا بفاسقين إلا أنهم لم يدخلوا تحت خطاب التفسيق، فكذا يكون نصاً على قبول شهادة التائبين لأنه بيان ورد على الجملة في حق الزمان فينصرف إلى كل ما يتوقت كأن الله تعالى قال:{إلا الذين تابوا} فإنهم بعد التوبة ليسوا بفاسقين وتقبل شهادتهم.
وقال في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء" أي إلا سواء بسواء فإنه حلال، فيثبت به حكمان: حرمة البيع بالقدر مطلقاً، وحله إذا جاءت المساواة بالمعيار لا اتصال لأحدهما بالآخر.
فقال: إن الحبة بالحبة حرام وإن لم يكن لها حد بالمساواة في حالة بوجه.
وأما الحل فيتناول ما له معيار شرعي قال: ومثاله قول الله تعالى: {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون} أي إلا أن يعفون فيسقط الكل فيثبت به حكم مخالف للأول.