فيكون الأول ثابتاً في حق المجانين والصغائر، وحكم العفو ثابتاً في حق الكبائر العاقلات.
وقال فيمن أقر وقال: لفلان علي ألف درهم إلا ثوباً إن قدر الثوب من الألف: لا يلزمه لأن معناه: إلا ثوباً فإنه ليس علي من الألف لأنه لا يكون بياناً إلا هكذا ثم عين الثوب لا يمكن أن يجعل بياناً من الألف في أنه لم يدخل تحته فانصرف إلى قدر قيمته ليستقيم.
وقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف– رضي الله عنهما- فيما إذا قال: لفلان علي ألف درهم إلا كر حنطة: إن قدر قيمة الحنطة يسقط من الألف عنه.
ومتى جعل حكم الجملة ساقطاً عن الاستثناء لعدم النص لم ينتقص من الألف شيء، لأن عدم لزوم الحنطة إياه لمعنى أن الإقرار بالألف لم يتناوله ولا يوجب نقصاناً عن الألف المقر به على ما قاله محمد بن الحسن– رحمه الله-.
فجعل الشافعي الاستثناء تعرضاً لحكم النص المستثنى منه كما جعل الشرط تعرضاً لحكم المرسل والله أعلم.
أما علماؤنا- رحمهم الله- فإنهم قالوا: إن الكلام إذا اتصل به الاستثناء كان تكلماً بالباقي بعد الثنيا، لأن الاستثناء في اللغة استخراج، ولم يستخرج به بعض حكم الجملة، بل استخرج به بعض نص الجملة على سبيل البيان، وإنما يكون بياناً إذا جعل غير ثابت كما في التخصيص للحكم متى كان تخصيصاً، وبياناً لم يكن من الأصل ثابتاً، وعلم أن المراد به بعضه فكذلك إذا جاء الاستثناء وهو بيان علم أن المراد به ما بقي، إلا أن الاستثناء تعرض للنص فتبين أن بعضه غير ثابت، والتخصيص تعرض للحكم بنص آخر بخلافه.
والدليل على أن الاستثناء تعرض للنص قول الله تعالى:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً} فخمسون تعرض للعدد المثبت للألف لا لحكمه مع بقاء العدد، لأن الألف متى بقيت ألفاً لم تصلح اسماً لما دونها.
وكذلك قول الله تعالى:{فشربوا منه إلا قليلاً منهم} تعرض للشاربين فإن الشاربين هم الثابتين والقليل مستثنى منهم، ولما تعرض للعدد الذي تضمنهم الشاربون فاستخرج عن جملتهم انعدم فيهم حكم النص المتناول للشاربين لانعدام تناول النص إياهم بخروجهم بالاستثناء عن جملتهم.
ولما كان الانعدام فيهم لعدم تناول نص الشرب لم يحتج إلى أن يسقط الشرب عنهم بمعارضة الاستثناء.
وهو كمن قال: لفلان علي ألف درهم إلا مائة لم يلزمه المائة لعدم الإقرار لا لسبب