وعلل لحرمة نكاح الأمة بالطول بأن الحر يستغني بطول الحرة عن تعريض جزء منه للرق، فلا تحل له الأمة كما إذا كان تحته حرة، وهذا فاسد وضعا لأنه يثبت حجرا عن النكاح بسبب الحرية، والشرع جعل الحرية مؤثرة في الإطلاق فإن الحر تحل له أربع وللعبد ثنتان.
وكذلك قولهم: إن الجنون إذا تم وقت الصلاة في بعض اليوم، أو يوم من الشهر أسقط الفرض، قياسا على الجنون المطبق، وهذا فاسد وضعا لأنه ليس تحت الجنون إلا العجز عن تفهم الخطاب والائتمار به.
فأما المجنون في نفسه فأهل للعبادات فإنه لو كان صائما فجن يبقى صائما ومؤديا ومؤمنا، كذلك فإن الإيمان رأس العبادات، ويبقى في عباداته كالنائم والمغمى عليه مستحقا بحكم حاله كما يستحق أملاكه.
ثم النوم أثره في تأخير لزوم الفعل حتى لا يأثم دون أصل الإيجاب، فكذا الجنون فجعل ما يسقط الخطاب بالفعل علة لإسقاط أصل الإيجاب حكم بخلاف النص والإجماع فيكون فاسدا.
ولأن الائتمار لا يتصور إلا عن اختيار وتمييز فسقط بفوت شرطه.
وأصل الإيجاب في الذمة يكون جبرا وإلزاما من الله تعالى فيكون شرطه الذمة لا غير.
فأما إذا طال الجنون فالسقوط بحكم الضرورة والوقوع في الحرج، إذ لو ألزمناه تضاعفت عبادات تلك المدة، وهذا معنى مسقط للإيجاب أصلا لقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} ولقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ألا ترى أن الصلاة تسقط بالحيض لدفع الحرج من حيث أن الحيض يصيبها كل شهر عادة، والصلاة تجب كل يوم فلو ألزمناها قضاء أيام الحيض لتضاعف الوجوب عليها ولحرجت فيها، فسقط الإيجاب به لا لمنافاة الحيض للإيجاب، ألا ترى أن قضاء الصيام يلزمها لأنه لا حرج في إيجاب قضاء الصيام.
وكذلك خطاب تتابع صيام كفارة القتل يسقط بالحيض، لأنها تقع في الحرج لو ألزمناها التتابع لأنها قلما تجد شهرين لا تحيض فيهما في العادات الغالبة، ولا يسقط في صيام كفارة اليمين أو نذر بصوم عشرة أيام متتابعة لأنها تجد هذا القدر عادة بلا حيض فلا تحرج، فكان إضافة سقوط الإيجاب إلى الحرج أمرا مجمعا عليه، والإضافة إلى العجز عن الفعل أمر بخلاف الإجماع وقياس الأصول فكان فاسدا.
وكيف يسقط إيجاب العبادة والأداء منه صحيح، والأداء قبل الإيجاب لا يصح.
ولا يقال إن الصائم إذا جن بطل صومه لأن الجنون آفة سماوية تعجزه عن إقامة فعل المميزين وبقاؤه صائما ليس من فعل المميزين فلا يبطل صومه، ولا يخرجه عن جملة المؤمنين بحكم حاله، ألا ترى أنه يرث بحكم اتفاق دين الإسلام؟