للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك المحرم إذا جن لا يبطل إحرامه، فكان من قبل الإغماء والنوم وصحة أداء الصوم بعد صحة الشروع لا يبتنى إلا على ترك المفطرات، وما في الترك فعل فذهاب شرط صحة الفعل لا يمنع تأدية، وإنما يشترط كونه من أهل العبادة لا غير لأن ما يحصل يحصل له عبادة، فأحسن ما قالوا قولهم: إن الجنون يسقط الخطاب، وبهذا التفحص يتبين لك أن لا يسقط الإيجاب، وإن سقط الخطاب بالفعل عن المجنون.

ومن ذلك قولهم: إن الأثمان أموال تتعين في التبرعات، فكذلك في المعاوضات قياسا على الحنطة وسائر السلع، وهذا فاسد وضعا لأن التبرعات ما شرعت لإيجاب الأموال في الذمم بل للإيثار بعين ماله، والمعاوضات شرعت لإيجاب الأثمان في الأمم لأن مطلق المعاوضات المتعارف بين الناس عقدها بلا إشارة إلى الأثمان بل بتسمية مطلقة، وإنها توجب في الذمة، ولما كانت للإيجاب في الذمة كانت الذمة محل هذا الإيجاب فلم تصح الإضافة إلى العين كما لو أضاف هبة الألف إذا ذمته فإنه لا يصح.

وكما لو أضاف بيع المبيع إلى الذمة فإنه لا يصح إلا سلما رخصة بخلاف القياس لضرب من العذر لأن البيع شرع لإيجاب العين لغيره.

وإنما تصح الإشارة إلى عين الثمن على معنى بيان نوعه وقدره فأما استحقاقا فلا، فصار جعل التعيين في الهبة والعين محل الهبة علة لتعين الثمن في البيع، ومحل الثمن في البيع الذمة فاسدا وضعا.

وكذلك قولهم: إن البائع يثبت له خيار الفسخ بإفلاس المشتري لأن الثمن أحد عوضي البيع فالعجز عن قبضه يوجب خيار الفسخ، كالعجز عن قبض المثمن، نحو أن يأبق العبد أن يكون السلم رطبا فيذهب حينه هذا فاسد وضعا لأن القدرة على تسليم المبيع شرط لجواز البيع ابتداء.

والقدرة على تسليم الثمن ليس بشرط للجواز ابتداء، لأن البيع وضع لإيجاب الملك، واليد في العين للمشتري، ولإيجاب ملك الثمن ابتداء في الذمة على المشتري للبائع.

ولما كان البيع لإيجاب الملك واليد في العين للمشتري كان شرطه قيام الملك واليد للبائع ليعمل العقد عمله فلم يصح قبل أن يقدر ملكا ويدا.

ولما كان الشراء لإيجاب ثمن ابتداء في ذمة المشتري لا غير اشترط لصحته قيام ذمة قائمة لثمن يجب فيها بحيث يقبل القبض بمثلها، من غير شرط القدرة على التسليم بالمثل، لأنه لا قدرة إلا بملك ولم يشترط للجواز قيام ملك ولا يد في عين مثله.

ولما لم تكن قدرة التسليم شرطا للجواز ابتداء لم يوجب العجز عن التسليم خللا فصار فاسدا وضعا، لما فيه من اعتبار ما لم يجعل شرطا بما جعل شرطا.

<<  <   >  >>