وكذلك إذا قامت البينة أن هذا الرجل وارث فلان جاز له القضاء بالمال والأحوط له أن يقف فيتعرف عن وراث آخر ثم يقضي إذا لم يتبين له بعد التعرف.
والكلام ليس فيما يجب احتياطاً، واحترازاً عن وهم يتحقق، ولكن الكلام في موجب النص بنفسه وأما الاحتياط فضرب معنى يترك له ما عليه الأصل إلا أن الترك به لا يجب حتماً.
فإن قيل: فالذي يقف هكذا يحتج لامتناعه عن العمل به ويقول أنا أقف متروياً.
قلنا: هذا صحيح ولكن لا يثبت الوقف على هذا الحد إلا بعد التزام أصل الحكم واعتقاده أنه ثابت، وأن الوقف بدليل عارض لا من نفس النص، ومتى قال هذا واعتقد ارتفع الخلاف فلا يتحسن مثله في الخاص.
ويقول في الشهادات الخاصة أن الحكم يقف احتياطاً، وكذلك في الخاص إذا احتمل المجاز كان الوقف للتعريف أحوط ما لم يؤد إلى ترك واجب يفوت بالوقت.
قال الشافعي رحمه الله: وسواء فيه ما أمكن القول بعمومه وما لا يمكن لكون المحل غير قابل له كقول الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} فإن هذا المحل غير قابل عموم نفي المساواة بينهما لتساويهما وجوداً وإنسانية وبشرية وصورة وكثيراً من الأوصاف.
وقال: هذا المانع من القول بعمومه جملة لا يمنع القول بعمومه فيما يمكن منه من الأحكام الشرعية حتى لا تكون دية الذمي مثل دية المسلم ولا يقتل المسلم بالذمي ولا يساوي الذمي المسلم في تملك العبد المسلم لأن العام الذي يثبت خصوصه بدليل شرعي يبقى عاماً في ما بقي بعد الخصوص، والخصوص لا يكون إلا بدليل مقارن للعموم يبين أن المراد به ما بعد الخصوص فأما الرفع بعد الثبوت فيكون نسخاً، ومتى كان الخصوص على هذا الوجه كان ما نحن فيه من الذي امتنع القول بعمومه من حيث الحسن، والذي امتنع من حيث الشرع واحداً.
قال: ولكن الثابت بالعموم لا يكون قطعاً مثل الثابت بالخصوص لأن العام لا يرد قط إلا على احتمال الخصوص في نفسه، وكذلك الحكم بعمومه يثبت على احتمال أنه غير ثابت فلا يثبت قطعاً كالثابت بالقياس إلا عموماً ثبت بالدليل أنه غير محتمل للخصوص كقول الله تعالى:{إن الله بكل شيء عليم} بخلاف الخاص فإن حكمه لا يرتفع إلا بالنسخ وإنه لا يحتمل كونه منسوخاً حال وروده، وإنما النسخ يرد على بقاءه بعد ثبوته والكلام في موجب حكمه حال الورود لا حال بقائه.
ودل على صحته رواية الصحابة والسلف والناس إلى يومنا أخبار الأحاد الخاصة في معارضة عموم الكتاب وتخصيص العموم بها. وكذلك بالقياس.