الأول من الكتاب، فقد تابع خطط اليهود في بناء الحضارة الغربية، في سائر مراحلها وبكل موضوعية، حين كان بن نبي يراها جلية أمامه عام ١٩٥١ كمشهد مستمر ومتفاعل في مسيرة الحضارة الغربية إلى نهاية القرن العشرين، وها إن مختلف الدراسات التي ظهرت مؤخرا في مساحة العقود التي تلت؛ قد طرحت تأييدا علميا وتاريخيا حول دراسة بن نبي، لذلك السر الخفي الذي انتهى إلى فوضى ما بعد الحداثة كما تصورها؛ نتيجة حرب عالمية ثالثة تنتهي بقوة التقدم في الأسلحة المدمرة، وقد توقع انهيار الاتحاد السوفسيتي أولا في كلا الحالين.
بقي السؤال المطروح دائما: لماذا أخرج بن نبي هذا الكتاب من التداول فبقي وديعة لدى أصدقائه وغاب عن عناوين إنتاجه؟ إذا نحينا جانبا مصاعب نشر الكتاب في ظل الرقابة الفرنسية الاستعمارية، يبدو بن نبي في سائر إنتاجه في موقع المقاتل في معركة الخروج من القابلية للاستعمار في ثورته ضد الاستعمار، وهنا نراجع مقدمة مذكراته (العفن) (Pourriture) وكان قد أنهى كتبه الثلاثة - أو كاد -في الأول من آذار/ مارس ١٩٥١، حيث قال:
(ولدت في عام ١٩٠٥؛ أي في زمن بدأت تظهر فيه الخطوط الأولى لمجتمع جديد ... فأنا إذن أنتمي إلى جيل أصيب بلعنة الزمن، حين أقفلت فيه دورة حضارة الإسلام القديمة، لتفتح دورة عهد جديد تتضامن فيه في عصرنا القابلية للاستعمار من ناحية والاستعمار من ناحية أخرى. وإذ يظهر أي منهما في مسار الأيام فتلك علامة نظام جديد لكنه غير قابل للتحديد.
لكن هذا النظام في شقين متضامنين ومترابطين في النهاية.
الشق الأول: القابلية للاستعمار نتيجة غروب حضارة الإسلام.