نبي في إحياء حيوية الثقافة العربية الإسلامية في بناء فكر جديد، مع أن دور اليهود الذين اتخذوا طريقتهم في عمق مكونات الفكر العربي والإسلامي؛ قد وصل إلى نهايته في دولة إسرائيل التي جاءت تمسح
الحضارة والتاريخ؛ بقوة السيطرة على فراغ القابلية للاستعمار التي تشكل خلفية نفسية أشار إليها بن نبي في كتابه (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة).
فالمجتمع الإسلامي افتقد شبكة علاقاته في قوتها التي تعطي لمفهوم المجتمع كفاءته الحضارية، ومن هنا كان (ميلاد مجتمع)، وهو أحد إصدارات إقامته في القاهرة عام ١٩٦١، يهدف إلى إعادة صياغة المواطن والفرد في حيوية مجتمع قادر على مواجهة الأسرار العميقة لدور اليهود في إرباك خطاه.
وقد أكد مالك بن نبي هذا المفهوم في مذكراته؛ فكتب في ٢٦ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٦٢ (إن مجتمعا الفرد فيه ليس لديه موقف محدد من القضايا يؤديه تضامنا مع الجماعة، هو مجتمع مصطنع؛ لأن الأفراد الذين يتألف منهم يعيشون كمتطفلين منذبين؛ لا يشعرون بأي حضور لهم، وذلك ما يهدم في ذاتهم قيمتهم كإنسان).
ففي كتاب (الصراع الفكري) أشار بن نبي إلى هذا الجانب الذي عزل الفكر الإسلامي عن الإسهام في صنع العصر بفعل القابلية للاستعمار، فقد أصبح سلوك المسلم في نطاق العصر الحديث في حكم العقل الشرطي كما يحدده بافلوف، أي إنه لا يستطيع توجيه فكره وعمله باختياره طبقا لمقاييس يحددها عقله ويعيها ضميره، وهنا تبدأ الخطة التي يضعها الاستعمار استنادا إلى هذا السلوك الشرطي الذي ينتج عند المسلم بصفة طبيعية جراء الدوافع المتعلقه بغريزة الدفاع عن النفس، وهي الدوافع التي انطلقت من الهجوم الاستعماري في غرة القرن العشرين.