في اللحظة نفسها نظاما استراتيجيا يحاول الفكر من خلاله احتواء المشهد كواجب ذي طبيعة مختلفة تفرض حضورها كاهتمام هو الأفضل مما يحيط بي من مشكلة خاصة أجهل على أي خطة أو اتجاه وضعت حلولها. ومنذ أن يجهل المرء على أي خطة واتجاه وضعت مشكلته الخاصة فإن واجبات ذات طبيعة مختلفة تفرض على ضميره. وهكذا رسمت حدودا لقضية يمليها الضمير من خلالها يحاول فكري احتواء المشهد باعتباره الحل الأفضل لاهتماماتي واهتمامات الأبرياء المساكين.
ففي اللحظة التي أتولى كتابة هذه الصفحات أشعر بنظرتين صامتتين مؤلمتين ترمقان عملي؛ نظرة والدي العجوز التي تهزني حين لا يجد عنده حتى قطعة خبز يواجه بها عجز أيامه؛ مشفوعة بنظرة ابن أختي الطفل الذي لا يجد خبزا يتبلغ به، وذلك عقابا لي جزاء ما أقوم به من دراسة كهذه.
فالله يعلم كم لهذه الكلمات البسيطة من دلالة في الحقيقة. وأنا حينما أخط هذه السطور أضرع إلى الله؛ أن يوفقني لقول الحقيقة كاملة دون تورية ولا تلميح. وهنا فالشيء الذي أستطيع أن أؤكده ولا أخاف أن يكذبني أحد هنا أمام الناس وأمام الله؛ أنني المسلم الوحيد في هذه اللحظة الذي يحاول أن يترك للجيل الذي سيأتي مفتاح ما يخفي الغرب من استبطان طبع عالمنا هذا الذي من حولنا، وغير عابئ بما يثقل كاهله
من عائلة فيها عجوز وطفل.
وحينما أستعمل عبارة الاستبطانوية هذه لمسيرة الغرب؛ فلست أعني هنا المعتقد الديني الغيبي الملازم للأشياء التي صنعت العالم الحالي، بل هو ذلك السر الخفي نفسه الذي يظهر ظلا لبعض الرؤى، إنما لا يشف عن حقيقته، ومن المؤسف أن غبش رؤية ما سوف أشرحه في هذا القسم الثاني يتجلى خيالا في حالات معينة أو يمنحها في حالات أخرى تفسيرا