التحولات، عجين إنساني بكر، ولديه استعداد العجين لتقبل كل شكل يحتويه. وهو عجين يخبز ثم يعاد خبزه مجددا في أفران مختلف الحضارات والتي تتابعت في الشرق الأوسط القريب. هنا يتجلى سبب إيجابي رسم الطريق لإسرائيل في هجرتها الجماعية. لكن في كلتا
الطبيعتين الانسانيتين اللتين أشرنا إليهما؛ كانت إحداها للشرق والأخرى للغرب، وهذا يعني تباينا بينهما أكثر عمقا، فكل منهما له طبيعته الذاتية.
فالشعب اليهودي له خصوصية معروفة جدا ولها موقعها في علم النفس الإنساني، وخياره قد وجد مساحته كاملة في العجين الرخو البادي في طبيعة الأوروبي، وهذا هو السبب الأكيد في خيار لا محل له في طبيعة
الشرقي على الخصوص، فالرجل الشرقي يعيش روحه وفكره وينظر إلى
علاقاته مع الآخر من فكره.
إنني أعرف الاعتراضات التي سوف يسوقها القارئ، الذي يفاجأ بهذا التقويم في عصرنا الحاضر. فهذا التقويم سوف يصطدم بما هو عليه
الشرقي اليوم من الجهل، ودون قامة حضور، والذي يناقض ما هو عليه اليوم الأوروبي المثقف والمتوج بإكليل حضارته. لكن إذا أخذنا الأمر في مدى المسار المطلق لكل من الغربي الأوروبي والشرقي خارج اتجاه التاريخ؛ فمن هذه الزاوية نستطيع أن نقدر الأوروبي المنفتح لكل طارئ، والمتشوق لمعرفة كل غامض، في حين أن الشرقي يرى الأمور من خلال عقله وطبق تقاليده وروحه الشرقية.
لكن هذا الاختلاف مجرد اختلاف تصنيف، ويبقى التلاقي بينهما من طبيعة كل منهما، وهنا نحن أمام نفسيتين وعقليتين وعالمي إنسانيتين، للغربي طبعه المنفتح على استقبال أي فكرة من خارجه، ومستعد لتجريد حملة في الدفاع عنها إذا أخذت موقعها، أما الشرقي فهو الذي يحمل