ليس هنالك تباين أساسي إذن ما دامت أوروبا استقبلت الفكرة الدينية من خارجها وكان الشرق مهدها، وكذلك سائر الأفكار الدينية. وإذا كان اليهود أنفسهم شرقيين فذلك يعني أنهم عقليون، وما يميزهم عن سائر المشرقيين أن مأساتهم الوطنية لم تدع لهم خيارا آخر سوى أوروبا، وكان ذلك المسرى بهم إلى نهايات أهدافهم.
فأوروبا كانت وحدها القادرة على الآلية المادية لمسارهم.
الأوروبي صادق مع نفسه، وشريف لكنه متطلع إلى المادة أكثر منه مستلهما لصفاء الأخلاق، وهو ذكي فى مداه الجمالي، لكن لا يقيده التزام ثابت ولا أفق بعيد، وذلك ما عبد الطريق للعبة اليهودية بخلاف المشارقة الذين لديهم الخبرة (Raffinée) باليهودي الذين عجنوا لعبته في التعامل سواء في مجال اللاأخلاقية أو الجمود على المبادئ.
فالأوروبي كان - نوعا ما - الآلة الجاهزة لمهمة إسرائيل، وكانت قبل الشتات قد أصابتها محنة حرب العقاب (punique) (وهي اسم لثلاثة حروب بين قرطاجة وروما ١٤٦ - ٢٦٤ قبل المسيح).
وهنا يدور سؤال لم يضعه أي من المؤرخين:
لماذا احتفظت روما لنفسها حينما هزمت أثينا بالثقافة المنشأة والمدارس، على عكى ما فعلت بقرطاجة حينما انهارت أمامها فمسحت المدينة الفينيقية وهدمتها على آخرها ولم تترك من حضارتها ولا من ثقافتها أيما أثر؟
الجميع يعرف تعليمات السياسي الروماني (Caton) : (اهدموا قرطاجة عن آخرها). بيد أن هذه التعليمات نفسها لا تحمل تفسير نكبة قرطاجة، إذ لا بد من أن يبحث عما وراء هذا الموقف والأسباب الأكثر عمقا وذلك بمعزل عن نهاية الطريق الذي خطه التاريخ لنكبة