للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بقايا الإنسانية. من هنا نشأت هذه (الثقافة الأوروبية) ذات الخصائص الأكثر عنصرية.

فالاستعمار لا يستطيع أن يرى نفسه دون هذا المفهوم العنصري؛ إذ بغير هذا المفهوم للعنصرية فالحرب تصبح مجرد غزو، ولكن مع العنصرية فالحرب تصبح استعمارا، فكل العمليات الحربية في آسيا، حتى في المنطقة الإسلامية الأكثر بعدا كمنطقة جنكيز خان وتيمورلنك، كانت الحرب غزوا مجردا لأن العنصرية كانت غائبة عن مدارك الغزاة كما هي بادية في مدارك اليهود.

على العكس من ذلك، تبدو الثقافة الأوروبية التي أبدعت بطريق المصادفة أسطورة الجنس الأبيض، كما سوف تبدع فيما بعد أسطورة العنصر الآري، قد حولت حروبها ما وراء البحار إلى حروب استعمارية. ولقد أوضحنا بالتفصيل في هذه الفقرات أصول هذه الثقافة التي تفصل اليوم أوروبا عن بقية الإنسانية. فالعالم أصبح اليوم منقسما بصورة نهائية

إلى طبقات ثلاث: اليهود الذين يحكمون أوروبا، والأوروبيون الذين

يستعمرون من أجل اليهود، والأهليون، (Les indigènes) الذين أصبحوا

مستعمرين.

فساحة الاستعمار قادرة أن تجد متسعها في فراغ طبقة القابلية للاستعمار التي لم يكن اليهود فيها أكثر من أجانب كما يراد إثباته، وإذا كان التوسع جائزا في هذا الفصل ولا يؤذي، فالعنصرية في نهاية التحليل هي المسوغ للاستعمار أمام الضمير الأوروبي، ولكنها أيضا أضحت معيار هذا الضمير نفسه: فالأوروبي الذي تتملكه فكرة مبتذلة، حينما ينظر إلى اليهودي الصيني (Judochinois) مثلا، سينظر إليه هو بالمقابل على

أنه الأنديجين الأوروبي، ومن الطبيعي أن هذه الحالة من الفكر هي الأكثر شذوذا، وقد نفذت إلى هذا المفهوم من خلال النظام التربوي الذي

<<  <   >  >>