الموحدين هي التي تؤخذ بعين الاعتبار. فأنا أعلم أن مجتمعا لديه أفكار لا تتجاوز أمور القبيلة أو المملكة لا يستطيع النظر هكذا إلى البعيد، ولا العمل على بناء علاقات دبلوماسية مع كوكب المريخ.
وبناء على هذا التحليل العقلاني الذي آخذه بعين الاعتبار، يبدو لي أن الوفد المسيحي إلى (Oulang B) هو مجرد ترتيب يهودي استطاع تسخير بعض الأنديجيين المسيحيين، أما الأحداث التي أفضت إليها هذه البعثة، فقد رتبت إطارا سابقا لاهتمامات اليهود والعنصر الأوروبي الذي كان لا يزال بعيدا عن النظر إلى المشكلات على المستوى العالمي؛ فسائر الاهتمامات هذه - التي أشرنا إليها - أصلها في (الذهان اليهودي) تتمحور حول الخوف والكراهية، والفكرة نفسها هي أيضا فكرة الاستعمار الذي كان غامض الخفاء في الحقبة الإيديولوجية ليهود الدياسبورا. ويمكن لنا أن نجد هنا التفسير الأكثر وضوحا من سائر هذه الوثائق التاريخية - في حال صحتها - هو معيار هدم قرطاجة، وهو منهج اعتمده اليهود في سائر المشكلات السياسية. وهنا فإن هدم جنكيز خان لبغداد مركز الحضارة الإسلامية قرين هدم قرطاجه (١) بترتيب يهودي مفترض.
(١) لدعم هذا التحليل الذي يشير إليه بن نبي نذكر ما ورد في كتاب ولتر. ج - فيشل (يهود في الحياة الاقتصادية والسياسية الإسلامية في العصور الوسطى)، ترجمه سهيل زكار، دار الفكر، ص ١٢٨ وما يليها. ويتحدث عن الثخصية اليهودية سعد الدولة الذي برز في مرحلة (الا يلخان المغولي أرغون ١٢٨٤ - ١٢٩١ حيث يقول: فقد الإسلام وضعه المتحكم ببلدان الخلافة الشرقية بعد الزحف المنتصر الذي قاده هولاكو وتوسيع نطاق حكمه إثر سقوط بغداد سنة ١٢٥٨، وغدا مجرد ديانة بين بقية الدياذات الأخرى، وفقد مفهوم أهل الذمة مكانته ... وحظيت اليهودية الشرقية بدورها في هذه الفترة التي تميزت بشدة التوتر الروحي بفرصة غير متوقعة ... ووملت المكانة المتميزة للمسيحية واليهودية في ظل أرغون إلى درجات عالية عبرت عن نفسها بفرمان خاص أصدره أرغون بمحكمة العمل في الدوائر الحكومية حكرا على اليهود والنصارى. (مسقاوي).