كانت كلمة هتلر تبعث الحماس في قلوب الشعب الألماني وتثير أعصابه حين انتفخت أوداجه غضبا ثم انتفشت فخرا وعنفوانا، لقد آثر حاضرا هشا وبه صادر مستقبلا. لقد تحدث عن العنصر الآري كعنصر أعلى يسود بالحق الإلهي ليرفع معنويات الشعب الألماني من نتائج مؤتمر فرساي، ولتعود إليه مكانته وكل عظمته في الأرض ليبني عليها مستقبله وهو في المقدمة بين الأمم.
كان هذا كله الأساس الايديولوجي للوطنية - الاشتراكية - أي النازية، وهو مذهب يعلو لديهم بعظمته الجميع، ولعلو مكانتها غدت حدوده مغلقة بطبيعتها على من دونها في العالم، وغدت لا تتعدى نتائجها حدود عنصرها.
لكننا في العصور السابقة نرى القضية اليهودية وقد أعطت بدفعة واحدة، مستوى استثنائيا حين وضعت الجميع دون العنصرية اليهودية، وبذلك اختصرت كل قضية الحضارة المسيحية. من هنا جاءت الايديولوجية الهتلرية تطرح مع كل مخاطرها مخاطر أخرى في الحياة
الأوروبية هي في عمقها مخاطر يهودية بكل حال.
درومونه (Dumont) استشف المشكلة في كتابه حين كتب حول هذا الموضوع، لكنه كان عملا فرديا. فالقضية الوطنية الاشتراكية كانت عقدة حزب صنعه رجل فكانت (دولة الرايخ الثالث)، وقد طبع فكره على المؤسسات وقوانين الدولة؛ حتى أصبحت مبادئ الحزب هي نفسها فكر الشعب كله، مع علمائه ومهندسيه وحرفييه وضباطه وجنوده. لقد حاول اليهود السخرية من البداية، وهم في الخارج لكن في داخل المجتمع الألماني، فأثبت هتلر أنه يعرف الإجراء التقليدي (Classique) في رفضه تعاون اليهود الألمان وملياراتهم، حين جاؤوا يدخلون في حركته. أما أرقام غوبلز في الإعلام الخارجي فقد كانت أكثر بلاغة وفاعلية من سخرية اليهود، فالعالم عرف أن ٨٥ % من الأبنية في برلين ملكها يهود،