لكن رجلا وقف أمامهم يتحدث في ميونخ ويريد أن يكون هو نفسه مستقبل أحد الألفيتين واضعا العنصر الألماني على رأس سلم جميع الشعوب، واليهود في أسفل السلم الإنساني، أي هم أدنى من الأنديجين (أهل البلاد الأصليين). فالخطر هنا إذن بالغ الأثر، وأكبر أثره على اليهودي الذي لم يخطر له من قبل أن يقيم له حسابا بكل الوسائل.
وهنا كانت الحرب هي الوسيلة الوحيدة الفعالة ضد هذا الرجل الذي يمتلك السلاح الأقوى على الأرض، والأقوى صناعيا، والمنظم بأهم جهوزية فكرية وتقنية.
وهكذا أعلنت الحرب عام ١٩٣٩.
إن تاريخ هذه المأساة لا يهمنا بذاته، ولكن بعض المظاهر النفسية التي برزت أثناء الحرب تستحق الانتباه؛ لأنها تكمل في الواقع المشهد الخاص باليهود أنفسهم، وما تميزت به هذه الحرب من خصائص وحشية وفظيعة كما هو معروف.
فمن حيث المبدأ؛ فكل حرب هي غير إنسانية بطبيعتها، لكن حرب ١٩٣٩ - ١٩٤٥ كانت بكل معنى الكلمة وحشية، فصحافي بريطاني كان طرح سؤالا عام ١٩٤٣ على إحدى السيدات البريطانيات بالنص التالي:
(لو أن زرا أمامك لآلة تفجير إذا ضغطت عليه تهدمت ألمانيا كليا بما فيها من النساء والأطفال والشيوخ والكلاب والقطط).
أجابت السيدة البريطانية:(أعتقد أني لا أتردد ثانية واحدة).
إذن بالنسبة للضمير الأوروبي، فإن المصلحة اليهودية اتحدت بالحالة النفسية الأوروبية في هذه الحرب مع بعض الأشياء الرئيسية، ويأتي في مقدمتها أن الأوامر تجاوزت نهائيا القيم الدينية العلوية، وكل مبدأ أخلاقي إنساني، وهذا يفضي نوعا ما إلى المعيار الداخلي للسيطرة