للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه حين يتابع التاريخ الإنساني مسيرته. إذ لو اعتبرنا العامل المادي هو وحده حتمي التقدير، لبدا لنا من المستحيل هزيمة ألمانيا وهي في شهر حزيران/ يونيو ١٩٤٠؛ إذ كانت تحقق في ذلك الوقت النجاح كله في احتلال فرنسا حين غدت سائر شواطئ الأطلنطي تحت سلطة جيشها. لكن بعد نزول الجيش البريطاني في دنكرك كان كل شيء ضد ألمانيا (المنتصرة) قد تحقق، رغم طيرانها المدمر في اكتساحه الكبير الذي وضع تحت سلطته هولندا وبلجيكا وفرنسا بكامل جهوزية صناعية فريدة في العالم، فقد كانت سيطرته حتى ذلك اليوم محكمة على سائر مصادر أوروبا الغربية من نارفيك وحتى حدود إسبانيا. وكان الجيش الألماني هو الأقوى في العالم حين توافرت له من الشروط المادية ما يحقق له النصر النهائي على العدو الوحيد، لكن إنكلترا رغم تفوق ألمانيا ظلت واقفة مع

ملكتها في ثبات تاريخي ويسجل لها.

لقد كان أمام هتلر السلام الذي أراد تحقيقه لألمانيا ما عدا خطوتين خرجتا من حسابه: الأولى اقتحام مضيق (Calais) لاحتلال بريطانيا، وكذلك المتوسط لاحتلال شمال إفريقية، وهاتان الخطوتان كانتا تبدوان قبل آخر حزيران/ يونيو ١٩٤٠ لعبة أطفال بالمفهوم الحربي بالقياس لهذه الانتصارات. وفي الأشهر التالية، ورغم أن القيادة البريطانية قد أعادت تنظيم هيكليتها، فقد بقي الألمان في تجهيزهم يستطيعون احتلال جزيرة كريت، ولا يكلفهم ذلك سوى وحدة من الجيش المظلي تنزل في الجزيرة رغم البحرية البريطانية. كما أن احتلال شمال المغرب يمكن أن يتم

بسهولة من كل النواحي، وهذا ما تم بعد عامين في تونس؛ أي حينما

تغيرت كل شروط الحرب لمصلحة الحلفاء.

-...ولكن لماذا لم يرد هتلر أن يقوم بهاتين الخطوتين اللاحقتين؟

- هذا السؤال لا يوجه أبدا إلى النظام العسكري؛ فقد أثبتنا كل

<<  <   >  >>