للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم إلى العصمة فيه رأساً وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه، وتأولوا أحاديث السهو في الصلاة، وهذا مذهب الأستاذ أبي المظفر الإسفراييني من أئمتنا الحراسانيين المتكلمين وغيره من مشايخ المتصوفة. وذهب بعض المحققين وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم وهذا هو الحق، ثم لا بد من تنبيههم عليه وذكرهم إياه إما في الحين على قول جمهور المتكلمين، وإما قبل وفاتهم على قول بعضهم ليبينوا حكمه قبل انخرام مدتهم وليصح تبليغهم ما أنزل إليهم، وكذا لا خلاف أنهم معصومون من الصغائر التي تزري بفاعلها أو تحط منزلته أو تسقط مروءته. واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر؛ فذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، فإن منصب النبوة يجلّ عن مواقعتها وعن مخالفة الله عمداً، وتكلموا على الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وتأولوها، وأن ما ذكر عنهم في ذلك إنما هو فيما كان منهم عن تأويل أو سهو أو من غير إذن من الله تعالى في أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وهذا المذهب هو الحق، وأنه لو صح منهم ذلك لم يلزمنا الاقتداء

بأفعالهم وإقرارهم وكثير من أقوالهم، ولا خلاف في الاقتداء بذلك، وإنما اختلاف العلماء في أنه واجب أو مندوب أو مباح أو يفرق بين القرب وغيرها.

قال القاضي: وقد بسطنا القول في هذا الباب في كتاب «الشفاء» وبلغنا فيه المبلغ الذي لا يوجد في غيره، وتكلمنا على الظواهر في ذلك بما فيه كفاية اهـ. قلت: وقد ألف في عصمة الأنبياء وتأويل الآيات الظاهرة في خلاف ذلك الصابوني البخاري كتاباً حافلاً (لست بصاحب ذلك) أي: لست صاحب التشريف بهذا المقام المنيف. قال القاضي عياض: هذا المنقول عن آدم وغيره من الأنبياء يقولونه تواضعاً وإكباراً بما يسألونه. وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس له بل لغيره، وكل واحد منهم يدل على الآخر حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد معيناً وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا. قال: وفيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء، والحكمة في إلهامهم سؤال آدم والبدء به ثم من بعده واعتذار كل بأنه ليس أهل ذلك ليظهر كمال شرفه على سائر الرسل، إذ لو جاءوا إليه وأجابهم وأجيب لهم لم يظهر كمال التمييز إذ كان احتمال أن هذا الأمر له ولغيره من الرسل، فلما تأخر كل عن ذلك وتقدم هو له علم أنه السيد المقدم (اذهبوا إلى نبي الله إبراهيم خليل الرحمن) أصل الحلة الاختصاص والاستصفاء، وقيل: أصلها الانقطاع إلى من خاللت، مأخوذة من الخلة: الحاجة؛ تسمى إبراهيم بذلك لأنه قصر حاجته على الله

<<  <  ج: ص:  >  >>