للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أن يأكل) أي: أو يشرب أو يلبس، وذكر الأكل لأنه أغلب أنواع الاستعمال كما قيل به في قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} (النساء: ١٠) فإن المراد استعمالها بأي وجه وذكر لذلك (من عمل يديه) كناية عن الكسب وذكر اليدين، إما لأنه أفضل مما ليس فيه عملهما، ويؤيده أنه قيل له: أيّ الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. أو لأن أغلب الأعمال بهما، وإلا فالمراد مطلقة كالحاصل من كسب النظر كأن يستأجر لحفظ متاع، والسمع كأن يستأجر لسماع طلب درس علم، أو النظر كأن يستأجر لقراءة قرآن، أو لا من شيء من أعضائه كأن يستأجر ليصوم عن ميت، ثم المراد كما تدل عليه القواعد الشرعية كسب حلال خالص من الغش بسائر وجوهه. قال في «فتح الإله» : ويؤخذ من عموم الحديث أن الاكتساب خير من التوكل، على أنه لا ينافيه بل هو عينه لكن بقيد كما يفهم ذلك حده الذي قيل فيه: إنه أفضل حدوده: إنه مباشرة الأسباب مع شهود مسببها، فالاكتساب مع شهود أن حصوله بتيسير الله له ولطفه به وإقداره عليه، وفتح أبواب الرزق التي يحتاج إليها أفضل من عدمه وإن كان إنما تركه لنحو صلاة أو صيام وقد كان شأن أكابر القوم ذلك، فقد كان للجنيد سيد الطائفة الصوفية ذكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه فيصلي ما بين الظهرين قيل ألف ركعة وقيل أربعمائة وقيل: مائة، ولعله اختلف فعله فحكى كل من أصحابه ما اطلع عليه. وكان ابن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته ويتصدق بباقيه. وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها لأنه تتم له فيها الخلوة ومجاهدة النفس بأعظم أنواع مجاهداتها، ومن ثم لم يعهد أنه أكل من ثمرة من ثمارها.

وترك بعض الكسب كان بعد كمال رياضة نفوسهم وتهذيبها (وإن نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري) في أوائل البيوع من «صحيحه» قبل حديث أبي هريرة المذكور قبله، ومما هو انفرد به البخاري عن باقي الكتب الستة، والله أعلم.

٥ - (وعن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبالدال المهملة (ابن معد يكرب) بسكون الياء (رضي الله عنه عن النبي قال: ما أكل أحد طعاماً قط) بفتح القاف وضم الطاء المهملة المشددة ظرف لاستغراق ما مضى وباقي الأزمنة مقيسة عليه فيما يأتي (خيراً من أن يأكل) أي: أو يشرب أو يلبس، وذكر الأكل لأنه أغلب أنواع الاستعمال كما قيل به في قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} (النساء: ١٠) فإن المراد استعمالها بأي وجه وذكر لذلك (من عمل يديه) كناية عن الكسب وذكر اليدين، إما لأنه أفضل مما ليس فيه عملهما، ويؤيده أنه قيل له: أيّ الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. أو لأن أغلب الأعمال بهما، وإلا فالمراد مطلقة كالحاصل من كسب النظر كأن يستأجر لحفظ متاع، والسمع كأن يستأجر لسماع طلب درس علم، أو النظر كأن يستأجر لقراءة قرآن، أو لا من شيء من أعضائه كأن يستأجر ليصوم عن ميت، ثم المراد كما تدل عليه القواعد الشرعية كسب حلال خالص من الغش بسائر وجوهه. قال في «فتح الإله» : ويؤخذ من عموم الحديث أن الاكتساب خير من التوكل، على أنه لا ينافيه بل هو عينه لكن بقيد كما يفهم ذلك حده الذي قيل فيه: إنه أفضل حدوده: إنه مباشرة الأسباب مع شهود مسببها، فالاكتساب مع شهود أن حصوله بتيسير الله له ولطفه به وإقداره عليه، وفتح أبواب الرزق التي يحتاج إليها أفضل من عدمه وإن كان إنما تركه لنحو صلاة أو صيام وقد كان شأن أكابر القوم ذلك، فقد كان للجنيد سيد الطائفة الصوفية ذكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه فيصلي ما بين الظهرين قيل ألف ركعة وقيل أربعمائة وقيل:

مائة، ولعله اختلف فعله فحكى كل من أصحابه ما اطلع عليه. وكان ابن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته ويتصدق بباقيه. وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها لأنه تتم له فيها الخلوة ومجاهدة النفس بأعظم أنواع مجاهداتها، ومن ثم لم يعهد أنه أكل من ثمرة من ثمارها. وترك بعض الكسب كان بعد كمال رياضة نفوسهم وتهذيبها (وإن نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري) في أوائل البيوع من «صحيحه» قبل حديث أبي هريرة المذكور قبله، ومما هو انفرد به البخاري عن باقي الكتب الستة، والله أعلم.

٦٠ - باب الكرم والجود

بضم الجيم الكرم: بذل ما ينبغي من المال فيما ينبغي، وفي «الشفاء» للقاضي عياض:

<<  <  ج: ص:  >  >>