للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٤ - باب في الاقتصاد

أي: التوسط (في) أداء (العبادة) إبقاء على النفس ودفعاً للملل عنها. ونفس الإنسان في الطريق المعنوي كدابة في الطريق الحسي؛ فكما أنه إذا جد على دابته الحسية وكدها بالأحمال الثقيلة وقطع المسافات الطويلة انقطعت به في أثناء الطريق ولم يصل إلى مقصده، وإذا رفق بها وماشاها وصل إلى المراد وهان عليه ببلوغه لمقصده ما لقيه من مشقة السفر كذلك هنا، قال ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود» : قال الحسن: نفوسكم مطاياكم فأصلحوا مطاياكم توصلكم إلى ربكم، فمن وفى النفس حقها من المباح بنية صالحة كالتقوى به على صالح العمل ومنعها من شهواتها وحظها كان مأجوراً في ذلك كما قال معاذ: إني احتسبت نومتي كما احتسبت قومتي، ومتى قصر في حقها حتى ضعفت وتضررت كان ظالماً لها، وإلى هذا أشار النبيّ بقوله لعبد ابن عمرو «إنك إذا فعلت ذلك نفهت له النفس وهجمت له العين» ومعنى نفهت بكسر الفاء: أعيت وكلت، هجمت العين: غارت. وقال لأعرابي جاءه وأسلم ثم أتاه من عام قابل وقد تغير فلم يعرفه فلما عرفه سأله عن حاله فقال: «ما أكلت بعدك طعاماً بنهاري، فقال: ومن أمرك أن تعذب نفسك؟» فمن عذب نفسه بأن حملها على ما لا تطيق من الصيام ونحوه فربما أثر ذلك في ضعف بدنه وعقله فيفوته من الطاعات أكثر مما حصله بتعذيب نفسه بالصيام ونحوه اهـ. والعبادة غاية الذلل فهي أبلغ من العبودية إذ هي إظهار التذلل.

(قال الله تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} (طه: ١، ٢) . وقال الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} ) (البقرة: ١٨٥) بسكون المهملة، وقرىء بضمها لغتان وكذلك العسر كما تقدم ذلك ( {ولا يريد بكم العسر} ) هو بمعنى «يريد الله بكم اليسر» كررت تأكيداً، قال القرطبي في «التفسير» : قال مجاهد والضحاك: اليسر الفطر في السفر، والعسر الصوم فيه؛ والوجه عموم اللفظ في جميع أمور

<<  <  ج: ص:  >  >>