للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣٥١٤ - (وعنه) أي عن أبي هريرة (قال: قال رسول الله: لا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضاً، وأصله تتحاسدوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفاً، وهل هي تاء المضارعة أو فاء الكلمة؟ فيه خلاف. وقد أجمع الناس من المتشرعين وغيرهم على حرمة الحسد وقبحه، ونصوص الشرع الواردة بذلك كثيرة في الكتاب والسنة. وهو لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، ويخالف الغبطة، فإنما هي تمني مثل تلك النعمة مع بقائها لصاحبها. ووجه ذم الحسد وقبحه أنه اعتراض على الله تعالى له حيث أنعم على غيره مع محاولته نقض فعله وإزالة فضله. ومما يوضح ظلمه أنه يلزمه أن يحبّ لمحسوده ما يحب لنفسه وهو لا يحبّ لها زوال نعمتها، فقد أسقط حق محسوده مع ما فيه من تعب النفس وحزنها من غير فائدة بطريق محرم فهو تصرف رديء. والحسد أقسام: فمنهم من يسعى بلسانه ويده في نقل نعمة المحسود لنفسه أو لغيره وهو أخبث أنواعه، ومنهم من لا يسعى في ذلك، فهذا غير آثم كما قال الحسن البصري بل ورد مرفوعاً من وجوه ضعيفة، وظاهر أن محله إن عجز عن إزالة الحسد من نفسه بأن جاهدها في تركه ما استطاع، بخلاف من يحدث نفسه به اختياراً مع تمني إزالة نعمة المحسود فهذا لا شك في تأثيمه بل تفسيقه. ومنهم من يسعى في حصول مثل المحسود عليه فهذا حسن إن كان في الأمور الدينية، فقد تمنى الشهادة في سبيل الله، ولا حسن فيه في الامور الدينية كذا لخص من الفتح المبين (ولا تناجشوا) أي لا ينجش بعضكم على بعض بأن يزيد في السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره وهو حرام إجماعاً على العالم بالنهي سواء كان بمواطأة البائع أم لا، لأنه غش وخداع وهما محرّمان، لأنه ترك للنصح الواجب، ويصح تفسير النجش هنا بما هو أعم من ذلك، لأن النجش لغة، إثارة الشيء بالمكر والحيلة والخداع فالمعنى: لا تتخادعوا ولا يعامل بعضكم بعضاً بالمكر والاحتيال وإيصال الأذى إليه، قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} (فاطر: ٤٣) فيدخل

فيه على هذا جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه كتدليس عيب وكتمه وخلط جيد برديء، ويجوز المكر بمن يحل أذاه وهو الحربي ومن ثم قال: «الحرب خدعة» (ولا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضاً: أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه قهري كالحبّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه ولا يملك التصرف فيه، وهو النفرة عن الشيء لمعنى فيه مستقبح وترادفه الكراهة،

<<  <  ج: ص:  >  >>