ومن المعلوم أن المحبة لله تعالى من عبادته جل وعلا، وهو المحبوب لذاته، ولا يمكن أن يكون المحبوب لذاته إلا واحدًا، ومستحيل أن يوجد في القلب محبوبان لذاتهما. كما يستحيل أن يكون في الخارج ذاتان قائمتان بأنفسهما كل ذات منهما مستغنية عن الأخرى من جميع الوجوه، وكما يستحيل أن يكون للعالم ربان متكافئان مستقلان، فليس الذي يحب لذاته إلا الإله الحق الغني بذاته عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير بذاته إليه.
وأما ما يجب لأجله فيتعدد، ولا تكون محبة العبد له شاغلة له عن محبة ربه ولا يشركه معه في الحب، فإن المحبة المتعلقة بالله ثلاثة أقسام: محبة الله، والمحبة له وفيه، والمحبة معه. فالمحبة له وفيه من تمام محبته وموجباتها لا من قواطعها، فإن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحب ومحبة ما يعين على حبه ويوصل إلى رضاه وقربه.
وأما المحبة مع الله: فهي المحبة العبودية الشركية، وهي كمحبة أهل الأنداد لأندادهم، كما في الآية التي سبق ذكرها، وأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة. فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض، وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها، وقالوا: هذه آلهة صغار تقربنا إلى الإله الأعظم.