[المبحث الأول متى وكيف كانت بداية الشرك في هذه الأمة؟]
إن الله عز وجل أنعم على هذه الأمة حيث بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الثقلين (عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)، وقد (مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب)، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إمّا كتابي معتصم بكتاب مبدل أو منسوخ، ودين دارس بعضه مجهول، وبعضه متروك، وإمّا أمي: من عربي وعجمي.
فمنهم من بحث عن الحنيفية واعتصم بها، ولكن أغلبهم كانوا مقبلين على عبادة ما استحسنوه، وظنوا أنه ينفعهم؛ من نجم أو وثن أو قبر، أو تمثال أو غير ذلك؛ والناس في جاهلية جهلاء: من مقالات يظنونها علمًا وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحًا، وهي فساد، وعبادات يحسبونها من عند الله، وهي من ما زينت لهم الشياطين وتهواها نفوسهم، ووجدوا عليها آباءهم.
فهدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، وفتح الله بها أعينًا عمياً، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، بعد أن جاهدهم وجالدهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان والحجة لمن كابر وعاند، وكان من أمره صلى الله عليه وسلم مع قريش ما كان، حتى هاجر إلى المدينة،