فَطَر الله جميع الخلائق على الإقرار بهذا التوحيد لا يمنع أن يكون الأمم قد وقع في شرك الربوبية، كالدهرية قديمًا، والشيوعية حديثًا ـ كما سيأتي في الباب الرابع ـ، فمن شذ من هؤلاء وأمثالهم، فادعاء إنكارهم له جل وعلا إنما هو عن استكبار وعناد، لا عن شك وارتياب.
وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الخالق جل وعلا وادعاؤه بأنه إله من دون الله (فرعون) عندما قصه الله علينا في قوله: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، والذي قال لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم على وجه الإنكار عندما أبلغه رسالة ربه:(فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى).
ومع هذا فإنكاره لربوبية الله جل وعلا ما كان إلا عن مكابرة. قال تعالى بعد الآية الأولى:(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، وأقام تعالى الحجة بعد الآية الثانية على لسان نبيه موسى صلى الله عليه وسلم بقوله:(قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)، وقال تعالى عنه وعن قومه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ