ليس توسلاً به إلى غيره إذ قد جرت العادة أن من توسل بأحد غيره أن يقول لمستغاثة: أستغيثك على هذا الأمر بفلان. فيوجه السؤال إليه ويقصر أمر شكواه عليه، ولا يخاطب المستغاث به ويقول له: أرجو منك أو أريد منك وأستغيث بك. ويقول: إنه وسيلتي إلى ربي.
وإن كان كما يقول فما قدر المتوسل إليه حق قدره وقد رجا وتوكل والتجأ إلى غيره، كيف واستعمال العرب يأبى عنه؛ فإن من يقول: صار لي ضيق فاستغثت بصاحب القبر فحصل الفرج، يدل دلالة جلية على أنه قد طلب الغوث منه، ولم يفد كلامه أنه توسل به، بل إنما يراد هذا المعنى إذا قال: توسلت أو استغثت إليك بفلان. فيكون حينئذٍ مدخول الباء متوسلاً به، ولا يصح إرادة هذا المعنى إذا قلت: استغثت بفلان، وتريد المتوسل به، سيما إذا كنت داعية وسائله.
بل قولك هذا نص على أن مدخول الباب مستغاث وليس مستغاثًا به، والقرائن التي تكتنفه من الدعاء وقصر الرجاء والالتجاء شهود عدل، ولا محيد عما شهدت به ولا عدول، فهذه الاستغاثة وتوجه القلب إلى المسئول بالسؤال والإبانة محظورة على المسلمين، لم يشرعها لأحد من أمته رسول رب العالمين.
وهل سمعتم أن أحدًا في زمانه صلى الله عليه وسلم أو ممن بعده في القرون المشهود لأهلها بالنجاة والصدق ـ وهم أعلم منا بهذه المطالب وأحرص على نيل مثل تلك الرغائب ـ استغاث بمن يزيل كربته التي لا يقدر على إزالتها إلا الله، أم كانوا يقصرون الاستغاثة على مالك الأمور ولم يعبدوا إلا إياه، ولقد جرت عليهم أمور وشدائد مدلهمة في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، فهل سمعت عن أحد منهم أنه استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم أو قالوا: إنا مستغيثون بك يا رسول الله؟ أم بلغك أنهم لاذوا بقبره الشريف وهو