فهذه النصوص المحكمة صريحة في أن المشركين لم يقصدوا إلا الجاه والشفاعة والتوسل بمعنى جعلهم وسائط تقربهم إلى الله، وتقضي حوائجهم منه تعالى، وقد أنكر القرآن هذا أشد الإنكار، وأخبر أن أهله هم أصحاب النار، وأن الله تعالى حرم عليهم الجنة دار أوليائه الأبرار. وجمهور هؤلاء المشركين لم يدّعوا الاستقلال ولا الشركة في توحيد الربوبية، بل أقروا واعترفوا بأن ذلك لله وحده، كما حكى سبحانه وإقرارهم واعترافهم بذلك في غير موضع من كتابه.
فحاصل ما ذكر من جواز الاستغاثة والدعاء والتعظيم بالنذر والحلف مع نفي الاستقلال وأن الله يفعل لأجله هو عين دعوى المشركين وتعليلهم وشبههم لم يزيدوا عليه حرفاً واحدًا، إلا أنهم قالوا: قربان وشفعاء، والغلاة سموا ذلك: توسلاً، فالعلة واحدة، والحقيقة متحدة ... ).
ثم قال الشيخ بعد أن ذكر الوجه الثالث الذي أثبت فيه بأن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بإفراده بالدعاء والاستغاثة وإنزال الحاجات به دون غيره، حيث أورد آيات وأحاديث كثيرة في هذا المجال، وأخيراً قال: (وعلى القول بجعل الوسائط بين العباد وبين الله تقلع أصول هذا الأصل العظيم الذي هو قطب رحى الإيمان، وينهدم أساسه الذي ركب عليه البيان، فأي فرح وأي نعيم،