وقد سبق بيان حقيقة الشرك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية مما فيه كفاية، ولنا عود ـ إن شاء الله ـ إلى هذا الموضوع في الباب الرابع عند بيان شبهات القبورية وردها.
بقي أن أقول: إن الحقيقة التي يجب التأكيد عليها هنا: أنه لم يقع في تاريخ البشرية الشرك باعتقاد استقلال أحد غير الله بالخلق والإيجاد، إلا ما يذكر عن الفلاسفة الذين يرون: أن الموجودات قد وجدت بطريق السببية الضرورية الحتمية من ذات الموجودات لا من خلق الله وتدبيره، الذي ليس له عندهم أي علاقة بالعالم لا علمًا ولا إرادة ولا قدرة.
أما الشرك الذي وقع فيه الجماهير من الناس قديمًا وحديثًا فهو شرك الطلب من غير الله تعالى ما لا يطلب إلا من الله، لا على سبيل أن من يطلب منه العطاء والرزق مالك له على سبيل الاستقلال والخلق، بل على سبيل أن من يطلب منه ذلك قريب من الله جاهًا ومنزلة، وأنه لذلك يعطي من يشاء ما يشاء بمجرد إرادته هو.
وهكذا لم يقع عن أحد من المشركين قديمًا ـ الذين أرسل إليهم الرسل ـ اعتقاد أن غير اله يستحق العبادة لذاته، وذلك: أن شرك العبادة لا يتضمن الشرك في الربوبية؛ لأن شرك العبادة متعلق بالإرادة ولازمها من العمل، وأما شرك الربوبية فمتعلق بالاعتقاد وإثبات الكمال لله في ذاته وصفاته وأفعاله.
ولهذا ذكر الله عن المشركين أنهم يعتقدون أن الله هو المتفرد بتدبير الأمور، لكنهم أشركوا بالله من جهة التوسط في الطلب أو في العبادة، والآيات