طاغوت زمانه الذي ادّعى الربوبية وعطل المصنوع عن صانعه، وادّعى خصائص الربوبية لنفسه بقوله:(فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). هكذا بهت الذي أشرك بالله وكفر به؛ لأن الإله الحق لابد أن يتصرف في ملكه كما يشاء، فإذا لم يستطع على ذلك دل على أن دعواه باطل، وأن الشرك بالله سبحانه باطل وقبيح.
وهكذا لما أراد إبراهيم عليه السلام إظهار شناعة الشرك وقبحه به سبحانه أمام قومه جميعًا ذهب يحمل الفأس فكسر الأصنام وأبقى الصنم الكبير، وهذا فيه وجهان لقبح الشرك وبطلانه:
أولهما: أن هذه الأصنام إن كانت آلهة فلم لم تدافع عن نفسها عند تكسيرها؟ والإله الحق حي لا يموت، وهذه قد اندثرت وصارت حطامًا.
ثانيهما: أنها إذ لم تدافع عن نفسها فلما لا تجيبكم عمن كسرها؟ فإن أجابتكم عمن كسرها فهي بحاجة إلى الحماية ولذا هي ليست آلهة؛ لأن الإله الحق غني عن حماية غيره له، فالشرك مع الله سبحانه بهذه الآلهة المزعومة قبيح لا شك فيه.
فهذا مثلان من جملة مئات الأمثلة في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أوردتهما كالنموذج لدلالة القصص القرآني على قبح الشرك وبطلانه، وقد سبق بيان أخبارهم مفصلاً في الباب الأول. وكل من تفكر في هذا القصص القرآني يدرك حقيقة ما ذكرناه لا محالة، ولعلنا نكتفي بهذا