وبهذا تكون الفطرة حجة مستقلة في بطلان الشرك، فهي أسبق من كافة الحجج الواهية وسائر المعاذير الساقطة التي يتشبث بها المشركون.
قال ابن القيم:(قوله تعالى حاكيًا عن صاحب يس أنه قال لقومه محتجًا عليهم بما تقر به فطرهم وعقولهم: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فتأمل هذا الخطاب كيف تجد تحته أشرف معنى وأجله، وهو أن كونه سبحانه فاطرًا لعباده يقتضي عبادتهم له، وأن من كان مفطورًا مخلوقًا فحقيق به أن يعبد فاطره وخالقه، ولا سيما إذا كان مرده إليه، ومبدؤه منه، ومصيره إليه، وهذا يوجب عليه التفرغ لعبادته، ثم احتج عليهم بما تقر به عقولهم وفطرهم من قبح عبادة غيره، وأنها أقبح شيء في العقل وأنكره، فقال:(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، أفلا تراه كيف لم يحتج عليهم بمجرد الأمل بل احتج عليهم بالعقل الصحيح ومقتضى الفطرة).
وقال في موضع آخر:(وقال تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لقومه: (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
أي فما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ... فإن إدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن السوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفطر جوازه، وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبيح ... ).