فرجوع الإنسان وإنابته إلى ربه إلى ربه عند الشدائد دليل على أنه يقر بفطرته بخالقه وربه سبحانه، وأنه لا يرضى بالشرك، وهكذا كل إنسان إذا رجع إلى نفسه أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الباري سبحانه في تكوينه في رحم أمه وحفظه له، وعرف كذلك افتقاره إليه في بقائه وتقلبه في أحواله كلها ويتقوى هذه المعرفة في نفسه حجة قوية لأن الحاجة استلزمتها، فتكون أوضح من الأدلة الكلية مثل افتقار كل حادث إلى محدث.
٢ - التصريح بأن الفطرة مقتضية للإقرار بالخالق وتوحيده وحبه، ومخالفة الشرك وقبحه في الأدلة السمعية، وقد سبق معنا الأدلة الدالة على هذا القول.
٣ - ورود التكليف بتوحيد العبادة أولاً، كأن هذا تذكير لما فطروا عليه من ذبح الشرك. فإنه لم يكن الإقرار بالله جل وعلا وبربوبيته فطريًا، والشرك مخالفاً للفكرة لساغ لمعارضي الرسل عند دعوتهم لهم بقول الله تعالى:(فَاعْبُدُونِ) أن يقولوا: نحن لم نعرفه أصلاً فكيف يأمرنا؟ فلما لم يحدث ذلك دل على أن الفطرة مخالفة للشرك (في الربوبية)، وأن المعرفة كانت مستقرة في فطرهم. فإن الأمر يتوحيده في عبادته فرع الإقرار به وبربوبيته فيكون بعده.